الأخ روفينو(استقبال)

الفصل الرابع: الإهتداء والمصالحة

تسجيل الفصل على شكل21x29,7 cm

Le bon pasteur سيقدّم لنا مثل الخروف الضّال بما نسمّيه بالرّحمة الإلهيّة. سيجعلنا نكتشفُ أيضاً الفضائل التي يجبُ أن تُمارسَ بطريقة مميّزة أ كثر للبقاء في حالة النّعمّة.ثمّ،ستسمحُ لنا حلقات جديدة لسيرة فرنسيس، ليس فقط بمعرفته بشكل أفضل، بل لإكتشاف أيضاً مع نى الغبطة بالنّسبة له : طوبى لأنقياء القلوب، لأنّهم سيرون الله. أخيراً، إنّ قراءة وشرح البندين ٧ و١٢ من قاعدتنا سيجعلنا نحدّد ونتعمّق ب ما يُسمّيه المسيح الشيء الأكثر ثمناً لدينا : روحنا.

  • 0

هآ نذا أَنشُدُ غنمي وأفتقدها أنا

تتواجدغالباً صورة "الملك- الرّاعي" في الإنجيل * مثلاً في حزقبال ٣٤ الذي أُخذَ منه عنوان القسم الأوّل من هذا الفصل(٣٤ ١١). في إرميا، في الفصول ٢٣٬١٠٬٣٬٢٬ في زكريا ١١ ، مزامير٢٣ و ٨٠ . لنتذكّر أنّ الصّور التي يستعملها الرّبّ، لإعلان نفسه أمام البشر، هي أحياناً صور من حياة الأشخاص اليوميّة التي يتوجّه إليها. سنفهم ببساطة أنّ الأسلوب يسمح بإدراك أفضل للسّامعين. بما أنّ الشّعب العبري كان شعباً بدويّاً حيث أنّ القطيع يشمل حياة كلّ فرد، سنجدُ أحياناً مقارنات بين حياة شعب الله وحياة قطيع من الخراف مرافق من قبل راع. سيستعمل يسوع أيضاً هذه الصّورة، خاصّة في مَثَل الخروف الضّال الذي ينقله لنا القدّيس متى(متى ١٨ ١٢-١٤) والقدّيس لوقا(لو ١٥ ٣-٧). في إنجيلهما، يختلفُ عنوان الفصل، في حين أنّه نفس المثل. عند أوّل الإنجيلين، يُدعى المثل " الخروف الضّائع"، وفي الثّاني * الجملتان الإثنتان مستعملتان في نفس مقطع نبوّة حزقيال ضدّ رعاة إسرائيل : " الشّاردة لم تردّوها والمفقودة لم تتطلّبوها " حز٣٤ ٤. "الخروف الضّال". هذا الإختلاف يُشيرُ إلى رحمة الله في شتّى الحالات المتوقّعة. لا حدود لرحمته. إنّ الخروف الضّائع هو الذي هجر الطّريق ولكن بإستطاعته إيجاده إذا بذل جُهداً. يكفيه على الأقل خريطةً جيّدة وبوصلة لإيجاده. أمّا بالنّسبّة للخروف الضّائع، فهو حقّاً ضائعٌ، بقدر الخراف الأخرى. سنقول أنّه مُتعذّر إسترداده. إذاً في حالتي الخروفين، أكانت ضائعة أو ضالة، إنّ مهمّة المسيح المُنقذة، مخلّص البشريّة، ستتمّ بإفراط. ولكن لنكفّ عن الكلام، لنتذوّق طعم هذا المثل الرّائع. * م ڤ ، الجزء ٤ ص.٤٣ إلى٤٦ (مستخرج).

مثل الخروف الضّائع

يتحدّث يسوع إى الجمع. صاعداً إلى جنب سيل مزروعاً بأشجار، يتحدّث إلى جمع غفير منتشر في حقل سنابله مقطوعة ويُمثّل وجهاً محزناً للقش المحروق من الشّمس. إنّه المساء. الشّفق يهبط، لكنّ القمر يصعدُ سابقاً. إنّها بداية سهرة صيف جميلة ومنيرة. يدخلُ القطيع إلى الحظيرة ويندمجُ رنين الجلاجل بغناء الزّيز.

يُقارن يسوع بالقطيع الذي يمرّ. يقول : " إنّ أبيكم هو مثل الرّاعي المُتيقّذ. ماذا يفعل الرّاعي الصّالح؟ يبحث عن مراعٍ خصبة لخرافه حيث لا يوجد لا شوكران ولا أعشاب سامّة، بل نفل ممتع، أعشاباً مطيّبة وهندباء مرّة لكن مفيدة للصّحة. يبحثُ عن مكان حيث يوجدُ بالإضافة إلى الطّعام، البرودة، جدولاً ذي مياه صافية، أشجاراً تعطي ظلاًّ، مكاناً حيث لا يوجد صلاًّ وسط الخضار. لا يهتم لإيجاد مراعٍ أكثر خصوبة لأنّه يعلم أنّها تُخبّئ بسهولة حيّات مرصدة وأعشاباً مضرّة، لكنّه يُفضّلُ مراعي الجبال حيث يُضفي النّدى الطّهارة و الإنتعاش على العشب ، وتتخلّص الشّمس من الزّحافات، ونجدُ الجوّ المنعش الذي يهزّه الهواء وهو ليس ثقيلاً ومضرّاً مثل جوّ السّهل. يُراقبُ الرّاعي الصّالح خرافه واحدةً واحدة. يُعالجها إذا كانت مريضة، يُداويها إذا كانت مجروحة. ويرفعُ صوتَه للتّي ستصبحُ مريضة بسبب شراهتها. ويقول للّتي تجدُ صعوبة في البقاء في مكان رطب أو مشمس كثيراً، بالذّهاب إلى مكان آخر. إذا كانت مشّمئزّة، يبحثُ لها عن أعشابٍ محمّضة ومطيّبة قادرة عن إيقاظ شهيّتها ويُقدّمّها لها بيده متحدّثاً معها كصديق.

هكذا يتصرّف الآب السّماويّ الصّالح في السّماوات مع أولاده التّائهين على الأرض. إنّ حبّه هو القضيب الذي يجمعهم. صوته هو كمرشدٍ لهم. قانونه هي المراعي. وحظيرته هي السّماء.

ولكن ها إنّ خروفاً يتركه. كم كان يُحبّه! كان صغيراً، طاهراً، برئياً، مثل سحابة خفيفة في سماء نيسان. كان ينظرُ الرّاعي إليه بكثير من المحبّة متصوّراً كلّ الخير الذي يُمكنه أن يُعطيه إيّاه وكلّ المحبّة التي يُمكن أن يحصلَ عليها. وها قد هجرَهُ.

عَبَرَ مُجرّب محاذاة الطّريق التي تُحيطُ بالمرعى. لا يحملُ سترةً بسيطةً ولكن لباساً ذي ألف لون. لا يحملُ زنّاراً من جلد مع فأس وسكّين مُعلّقين بل زنّاراً من ذهبٍ حيثُ تتدلّى منه جُريسات ذي رنّات فضيّة، شجيّة مثل صوت العندليب، وأنابيب عُطورات ساحرة... ليس لديه جرساً كبيراً مثل الرّاعي لجمع والدّفاع عن القطيع وحتّى إذا الجرس لم يكف ِ فهو مستعدّ لحمايتهم بفأسه أوسكّينه، بل المخاطرة بحياته. ولكن في يد هذا المُجرّب الذي يمرّ مبخرةبرّاقة بالأحجار الكريمة حيث يرتفعُ دخاناً عفناً وعطراً في نفس الوقث، يُسكرُ كما تُبهرُ أضلاع الجواهر هذه، آه! كم هي مصتنعة! هو يمرّ مغنيّاً ويرمي حفنةً من الملح الذي يلمعُ على الطّريق الدّاكن...

تسع وتسعون خروفاً يُشاهدونه بلا حراك. أمّا الخروف المئة، الأحدث سنّاً والأكثر ثمناً، فقد قفزَ واختفى وراء المُجرّب. ناداه الرّاعي، لكنّه لم يرجع. ذهبَ يُلاقي، بسرعة الرّيح، الذي مرّ ولدعم قواه في العدو، تذوّقَ هذا الملح الذي يدخلَ في الأعماق ويحرقَ بشكل غريبٍ ويدفعه للبحث عن المياه السّوداء والخضراء في ظلام الغابات. وبسبب المجرّب، ها هو يدخل، يصعد ويهبط ويقع... مرّة، إثنين، ثلاث مرّات. ومرّة، إثنين، ثلاث مرّات، يشعُرُ بمعانقة الزّواحف الدّبقة حول عُنُقه، وعطشٌ، يشربُ من المياه الملوّثة؛ جائعٌ، يقضمُ الأعشاب البرّاقة بلعاب كريه.

ماذا يفعل الرّاعي طيلة هذا الوقت؟ يُغلقُ في مكان آمنٍ على الخراف التّسع والتّسعين المخلصة ثمّ يذهبُ ولا يتوقّف إلاّ عند إيجاد آثار الخروف الضّال. بما أنّه لا يرجعُ إليه، فهو يذهبُ لملاقاته. يراه من بعيد، مخموراً ومحنضناً بالزّواحف، ثملاً لدرجة أنّه لا يحنّ إلى هذا الوجه الذي يُحبّه فيسخُرُ منه. ويراه مجدّداً، مذنبٌ بدخوله منزلاً آخرَ كلصّ، مذنبٌ إلى حدّ أنّه لا يتجرّأ على النّظر... ومع هذا فإنّ الرّاعي لا يتعب... ويذهب. يبحثُ عنه، يبحثُ عنه،يتبعه، يضايقه. هو يبكي على آثار الضّال : بقايا من جزّة ؛ أجزاء روح ؛ آثار دماء ؛ جرائم بشتّى الأنواع ؛ قذارة ؛ شهادات فسقه. يذهبُ ويُلاقيه. آه! لقد وجدتُكَ، يا حبيبي! لقد لاقيتُكَ! كم من طريق سلكتُ لأعيدَكَ إلى الحظيرة! لا تحنٍ جبينكَ الملطّخ. إنّ خطيئتكَ مكتومة في قلبي. لا أحد غيري، الذي يُحبّكَ، سيكشُفَهُ. سأدافعُ عنكَ ضدّ اتّهامات الغير، سأحضُنُكَ بجسدي لأكون درعكَ ضدّ حجارة المتّهمين. تعال. هل أنتَ مجروحاً ؟ آه! أرني جروحاتكَ. إنّي أعرفها، لكن أريدُ أن ترني إيّاها، مع الثّقة التي كانت لديكَ عندما كُنتَ طاهراً وكنتَ تنظثرَ إليّ أنا، راعيكَ وإلهكَ، بعين بريئة. ها هي. جميعُها لديها إسماً. آه! كم هي عميقة. من الذي فعلَ بكَ هكذا ليكزن لديكَ جروحات عميقة في صميم قلبكَ؟ أنا أعلم، إنّه المُجرّب. الذي ليس لديه لاجرساً ولا فأساً لكنّه يجرحُ بعمقٍ بعضّته السّامّة وبعده، هنال الحُلى المُزيّفة في مبخرته التي أغرّتكَ برونقها... والتي كانت كبريتاً شيطانيّاً يولَدُ من جرّاء النّور ليحرقَ قلبكَ..إنظر! كم من جروحات، كم من جزّة ممزّقة، كم من دم، كم من علّيق!

آه! أيّتها الروح المسكينة والمخدوعة! ولكن قل لي : إذا سامحتُكَ، هل ستُحبّني يعد؟ لكن قل ي : إذا مددتُ لكَ ذراعي، هل سترتمي بينها؟ لكن قل لي : هل أنتَ عطشٌ لمحبّة صالحة ؟ فإذاً : تعال وعد إلى الحياة. عد إلى المراعي المقدّسة. أنتَ تبكي. إنّ دموعكَ الممزوجة بدموعي تغسلُ آثار خطيئتكَ، وأنا، لأطعمَكَ، لأنّكَ مُتعبٌ من الشّرّ الذي أحرقَكَ، سأفتَحُ صدري، سأفتَحُ شراييني وأقول لكَ : " أطعم نفسكَ ولكن عشْ! تعالَ لأضمّكَ بين ذراعيكَ. سنذهبُ هكذا بسرعة أكثر إلى المراعي المقدّسّة والآمنة.

ستنسى كلّ شيئ من ساعة البؤس هذه وسيفرح إخوتكَ التّسع والتّسعين الصّالحين، بعودتكَ. أقولُ لكَ، يا خروفي الضّال،إنّي بحثتُ آتياً من بعيد، قد وجدتُ، وقد خلّصتُ لنُقمْ حفلةً كبيرةً بين الصّالحين لخروف ضالّ عادَ بدلاً عن الخراف التّسع والتّسعين الصّالحين التي لم تبتعد عن الحظيرة."

أبٌ أم أمّ، معلّم أو ببساطة صديق، أليس كلّ فرد منّا مدعوّاً، كلّ واحد في مهمّته الخاصّة، كلّ واحد بمواهبه التي وهبها، ليكون " الرّاعي الصّالح"؟ أو أيضاً، ألا نحتلّ نحن غالباً مكان الخروف الضّال أو الضّائع؟ لنُحلّل إذاً تصرّف كلّ فرد من هذا المثل من أجل أن نتبع من هو الطّريق، الحقّ واحياة أو أيضاً، إرتباطاً بظروف الحياة، مساعدة قريبنا للبحث واتباع هذا الطّريق، هذا الحقّ وهذه الحياة.

الرّاعي الصّالح

أوّلاً، إنّ الرّاعي هو " صالح ". إنّ الطّيبة هي صفة أعلى من الحكمة لأنّها تتطلّب المحبّة. من جهة أخرى، من بين الفضائل التي يبرهنُ عنها الرّاعي الصّالح، والأولى التي نجدُها هي : المحبّة. ألفضائل الأربع الأخرى، والتي تصفها الكنيسة بالفضائل الرّئيسيّة * الفضائل الرّئيسة التي هي، الفطنة، العدل، القوّة والقناعة هي كالنّقاط الأربع الرّئيسة التي تسمح للبحّار بالتّوجّه جيّداً في البحر عندما يعرفها ويستعملها جيّداً. يُحدّد القديس أوغسطين بخصوص هذا الموضوع : "إنّ العيش جيّداً ليس إلاّ بمحبّة الله من كلّ قلبه، من كلّ روحه ومن كلّ تصرّفاته. بذلك نحفظُ له حبّاً كاملاً ( بفضل الإعتدال) لا يهدّه أي شقاء(ممّا يدلّ على القوّة)، لا يُطيع إلاّ له(وهذا هو العدل)، يسهر لتخبئة الأشياء خوفاً من المكر والكذب( وهذا هو الحذر)". ، تجدُ مصدرها أخيراً ونهايتها في هذه الفضيلة اللاهوتيّة للإحسان. المحبّة: يُحبّ الرّعي الصّالح خرافَه. هو لا يكتفي بمعرفتخم " تقريباً"، " بالإجمال " أو " بشكل مُبهَم". لا! هو يعرفها واحدة واحدة وحين تمرض واحدة منها‘ يُعالجها. إذا ضاعت واحدة، يبحثُ عنها. لا يقول الرّاعي الصّالح : "آوه! إذا فُقدَت واحدة، نجدُ عشرة". لا! كلّ واحد غالٍ على قلبه لدرجة أنّه إذا تاهَ واحد منها، يذهبُ دون الإنتظار للبحث عنه. يتبعُ آثاره. هو يعلم أنّ خروفه تعيس ويتألّم. هو نفسه يتألّم، محبّةً له. هو يبكي لعلمه أنّة تعيس. ولكن عندما يجده، يا لها من فرحة! يا لها من فرحة بالرّغم ممّا عاناه من أجل الخروف : طيشه الذي برهن عنه عند ملاحقته للمجرّب؛ الظلم الذي عبّر عنه بتلركه، هو الطّيّب الذي أعطاه ما يحتاجه؛ ضُعفَه في عَدوه ملاحقاً المجرّب، هو، باحثاً عن دعم لقواه، فتذوّق ملح الخطيئة المرّ؛ إفراطه لإغراء الظلمات. من أجل إعادة صحّته، نماماً كصحّة الخراف التّسع والتّسعين، فقد سامحه على جميع أغلاطه وأعطى نفسه كطعام. آه! يا له من برهان محبّة يُعطيه هذا الرّاعي الصّالح!

ألقناعة * القناعة هي الفضيلة الأخلاقيّة التي تكبح جماح شهوة الملذّات وتمنح الإتّزان في استعمال الخيرات المخلوقة. وهي تؤمّن سيطرة الإرادة على الغرائز، وتحفظ الرّغائب في حدود الإستقامة. إنّ الرّجل القنوع يوجّه نحو الخير شهواته الحسيّة، ويحافظ على اعتدال مقدّس، ولا يتتبّع هواه ليسير في شهوات قلبه.ت م ك ك ١٨٠٩. : يُظهرُ الرّاعي الصّالح لخرافه، في دوره، عن التّوازن في استعمال الرّوابط المنشأة. يبحث عن مراعٍ خصبة لخرافه حيث لا يوجد لا شوكران ولا أعشاب سامّة، بل نفل ممتع، أعشاباً مطيّبة وهندباء مرّة لكن مفيدة للصّحة. يبحثُ عن مكان حيث يوجدُ بالإضافة إلى الطّعام، البرودة، جدولاً ذي مياه صافية، أشجاراً تعطي ظلاًّ، مكاناً حيث لا يوجد صلاًّ وسط الخضار. لا يهتم لإيجاد مراعٍ أكثر خصوبة لأنّه يعلم أنّها تُخبّئ بسهولة حيّات مرصدة وأعشاباً مضرّة . يتصرّف الرّاعي الصّالح على هذا الشّكل وقايةً وأحياناً أيضاً، لصالح الخراف، مستخدماً سلطته في مَهمّته المخوّلة له. وإذا بخروف يمرضُ بسبب شراهته. عندها، لا يتردّد برفع صوته ليُعيدَ الخروف إلى الإعتدال.

القوّة * القوّة هي الفضيلة الأخلاقيّة التي تؤمّن، في المصاعب، الثّبات والصّمود في السّعي إلى الخير. إنّها تُثبّتُ العزم على مقاومة التّجارب، والسّيطرة على العقبات في الحياة ألأخلاقيّة. فضيلة القوّة تُمكّن من التّغلّب على الخوف، حتّى الخوف من الموت، ومواجهة المِحن والإضّطهادات. إنّها تُهيئ للمضي حتى نكران الذّات والتّضحية بالحياة للدّفاع عن قضية عادلة.ت م ك ك١٨٠٨ . : يُظهرُ الرّاعي الصّالح عن وفائه لملاحقة الخير. لذا، عندما يهمّ لإيجاد الخروف الضّال، لا يتوقّف إلاّ عند إيجاد آثارخروفه. بما أنّه لا يرجعُ إليه، فهو يذهبُ لملاقاته. وعندما يراه محتضناً بالزّواحف وهو نفسه يسخر منه، لا يتعب. يبحثُ عنه، يبحثُ عنه، يتبعه، يضايقه. هل يخشى، مثل الفرّيسيين عندما هربوا من الخطأة خشيةً أن تلوّثواا من خطاياهم، بأن يُلطّخَ بذهابه للبحث عن الخروف وسط الإعتناق اللّزج للحيّات؟لا! على العكس. فهو لا يتردّد بالمخاطرة بحياته لإنقاذ خروفه. " لا يحتاج ألأصحّاء إلى طبيب لكن ذوو ألأسقام " أجاب يسوع للفرّيسيين(متى٩ ١٢).

* العدل هو الفضيلة ألأخلاقيّة، التي قوامها إرادة ثابتة وراسخة، لإعطاء الله والقريب ما يحقّ لهما. والعدل تجاه الله يُدعى " فضيلة العبادة ". وهو تجاه البشر، يُهيّئ لإحترام حقوق كلّ واحد، وجعل العلائق البشريّة في انسجام يُعزّز الإنصاف بالنّسبة إلى الأشخاص والخير العام. ت م ك ك١٨٠٧ . : يُنمّي الرّاعي الصّالح معناً عالياً للعدل. بالفعل، لقد عُهِدَ له بمهمّة : وهي بحراسة الخراف، ومن العدل أن يُتمّم هذه المهمّة بكلّ ما هناك من عناية؛ وهذا ما يفعله عندما يبحث عن مكان يوجد في نفس الوقت الطّعام والعوامل الأخى التي يحتاجها الخراف : برودة، مياه صافية، ظلّ... عندما ذهب الرّاعي الصّالح للبحث عن الخروف الضّال، همّ قبل الذّهاب بتأمين السّلامة للخراف التّسع والتّسعين الصّالحين. أخيراً، عندما وجدَ الخروف الضّال، فهل يؤنبّه، هل يذلّه أمام أعين الجميع لينتقم من خيانته؟لا! هو يضمّه إلى قلبه ويكلّمه بنعومة. يؤمّن له دفاعاً ضد تعليقات الآخرين، ضدّ حجارة المتّهمين. بالفعل، إنّ خطيئة الخروف الضّال لا يجعله يَفقدُ مهمّته بالحفاظ على خرافه من كلّ شرّ، أكان من المجرّب أم من المتّهمين.

الفطنة * الفطنة هي الفضيلة التي تهيّئ العقل العمي لتمييز خيرنا الحقيقي في كلّ ظرف، ولإختيار الوسائل القويمة لإتمامه...وهي تتميّز من التهيّب أو الخوف أو المخادعة أو النّفاق.وهي تُدعى حوذيّة الفضائل، لأنذها تقود الفضائل الأخرى مبيّنة لها القاعدة والقياس. الفطنة هي الدّليل المباشر لحكم الضّمير. ت م ك ك١٨٠٦ . : يُظهر الرّاعي الصّالح الكثير من الحذر. هو لا يأتي بخرافه إلى أوّل مرعى يُشاهده. لا، بالعكس. يبدأ بالبحث عن المراعي الصّالحة لخرافه، مراعٍ تسمحُ لها بالإنتشار بكلّ أمان. عندما ذهب الرّاعي للبحث عن الخروف الضّال، هي ترك الأخريات على حالها للذّئاب التي تجوب المنطقة؟ لا. هو يُغلقُ في مكان آمن الخراف التّسع والتّسعين الصّالحات، أي يُعطيهم إمكانيّة البقاء في محبّة الرّاعي.

المجرّب

لقد عرضنا في الفصل الثّاني شتّى أنواع الإغراءات التي يستعملها الشّيطان محاولاً إفقاد روحنا تجاه الله. نتذكّر أنّ هناك ثلاث عوامل من الإغراء : النّاحية الماديّة من الشّيء من خلال الإنجذاب الجسدي والشّراهة، ثمّ النّاحية الأخلاقيذة وأخيراً النّاحية الرّوحيّة. هذه الأخيرة هي التي تهمّ الشّيطان أكثر، فالأولتين هما سبيلين للوصول لحبس الإنسان من خلال الثّالثة. سنجدُ، في مثل الخروف الضّال، كلّ الحجج المتطوّرة من الشّيطان، أي جميع الحيل والأكاذيب المتعدّدة، للوصول إلى غاياته. عكس اللباس البسيط للرّاعي، يبدأ المجرذب بمعاكسة ملبس ذي ألف لون. عكس العدّة المستعملة من قبل الرّاعي في أداء مهمّته، كزنّار الجلد مع الفأس والسّكين المتدلّين، هو يُقاوم بزنّار من ذهب حيث تتدلّى جريسات ذي نغمات فضيّة، شجيّة مثل صوت العندليب، وأنابيب عطورات مسكرة. وقد جعل مقابل الجرس الذي يجمع الرّاعي به القطيع ويدافع عنه، مبخرةً لمّاعةً من الحجارة الكريمة. كلذهذا يبدو سليماً، دون أهميذة، ولكن إذا خُدعنا فهذا ما سيحدث : يُغني المجرّب، ويدع حفنات من الملح البرذاق يسقط منه على الطريق المظلم. لأنّ الطّريق في البداية مظلم. نُميّزُ هذا الملح الغريب البرّاق الذي يدلّ على دربٍ سالكٍ، ولكن نجهل إلى أين ينتهي في الآخر.

وإذا تذوّقنا ملح المجرّب لإكتساب القوّة، أي ملح الخطيئة، سنحصل على نتيجة عكس ما نبحث عنها. فبدل أن نكسب قوّةً، القوّة تتركنا : نصبح ضعفاء، أكثر عطوبةً، مستعدّين أكثر للوقوع في التّجربة الثّانية. لأنّ الطّريق المظلم، هو، يتّجه شيئاً فشيئاً، نحو ظلمة الغابات. هنا، لا يوجدُ نور. ونحن مهاجمون من الزّواحف ولن نتمكّن أخيراً من الخلاص وحدنا. لم تعد الرّوح سيّد الجسد لكنّ الجسد هو سيّد الرّوح. إذاً، إذا اتضح أنّ الجسد هو خادماً صالحاً للرّوح عندما نعي إعطائه أشياءً صالحة له، فهو سيداً شرّيراً للرّوح. إذا تلاشت روحنا مع الجسد، عندها نصبح جائعين وعطشين لجميع العيوب لنصبح سعداء. سنتذوّق إذاً الأعشاب البرّاقة بلعاب كريه. وماذا يحصل أخيراً؟ لا نعد نشعر بمحبّة الله الّذي يُحبّنا. لا نعد نشعر محبّة الأشخاص الذين يُحبّوننا. وحتّى لو الله أو أصحابنا القدامى تظاهروا لنا، سنسخر منهم، معتقدين أنّنا أقوياء أكثر، أحراراً أكثر، سعداء أكثر منهم. وما هو الواقع؟ نحن كفأرة تدخل في مصيدة مليئة بالجبن وتسخر من رفيقاتها القدامى التي ظلّت في الخارج لأنّها تستطيع أن تقضم كلّ الجبن الموجود في الدّاخل من قبل واضع الفخ. وما هو مصير الفأرة ما إن أُكِلَ الجبن، حتّى الشّبع؟ في جميع الأحوال، هي سجينة، عبدة لواضع الفخ. يُمكنه أن يقتلها أو نسيانها في المصيدة. إذا نسيها، مصيرها الموت البطيء بسبب الجوع. هي وحيدة. وبدون قفزة من قبلها مع مساعدة من الخارج، فالموت المحتّم مصيرها.

الخروف الضّال

لا يُبدي الخروف الضّال أيّاً من الفضائل التي يُبرهن عنها الرّاعي الصّالح. فهو يفتقد للحذر عندما يرى لمجرّب. هو لا يقول كغيره من الخراف : " لندع هذا الرّجل الغريب ذي المشية الجذّابة يمرّ ؛ لا نهتم لهذا." على العكس، فقد استسلم خروفنا المسكين، مثل الفأرة الصّغيرة التي رأت الجبن الموضوع أمام المصيدة. هو يؤمن بالذي قد يُشبه السّعادة، فضلاً عن ذلك سعادة بلا جهد. يكفي الإنحناء للأكل. ألم يكن لديه ما يكفي من مراعٍ راعيةٍ؟ كان لديه ما يحتاجه، لكنّ الصّغير شره. يريد دوماً الأكثر. وعدم معرفة الإكتفاء بالضّروري، هو إظهار الإعتدال. فيبدأ الخروف بتناول شيئاً لا قيمةً له ظاهريّاً، لكنّه ل يُشبعُ ولا يَروي. على العكس، فمجرّد تذوّق ما هو مقترح من المجرّب يُحدِتُ جوعاً رهيباً، عَطَشَاً لا يُرتوى * هناك مثل قديم يوجزُ جيّداً هذا تصاعد الشّرّ هذا في قلب الإنسان : ״ من يسرق بيضة، يسرق جملاً "، بمعنى أنّ الذي يسرق اليوم بيضة، سيسرق غداً جملاً. . عوضاً عن القول:" يجبُ أن أعود إلى مراعي راعي الخضراء" ، فلا يكون إلاّ عدالةً تجاه هذا الأخير، يخوص الخروف الصّغير أكثر في الظّلمة. ينقصه القوّة في التّجربة. هو يغرق في المياه الدّاكنة والخضراء للخطيئة. يُصبج سجيناً، عبداً للخطيئة. بحيث عندما يُناديه راعيه، يسخر منه علناً : ״ إذهب، أنتَ، ومراعيكَ الخضراء! إغرب عن وجهي!״

من ناحية الخروف، إنّ الإنفصال تام. هو منفصل عن الله، منفصل عن الآخرين، ومنفصل في داخله. بالفعل، كما مملوك نهلا جنساريث الذي يشطب جسده بحجارة، نجدُ عند الخروف الصّغير في آن مهاً، الجلاّد والمعذّب. أي كائن، بالفعل، يتعذّب أقلّ من مرض مازوخيّة ساديّة وسعيد لأذيّة نفسه؟ إنّ خروفنا الصّغير هما. ليس بحاجة إلى أحد ليؤذي نفسه. لقد أذى نفسه وحده. يستطيع المجرّب الذّهاب والتّجربة مع آخر. الفأرة، هي، موجودة في المصيدة.

إذا لم تتواجد النّجدة الخارجية في هذا الوقت، إذا لم يوجد الرّاعي الصّالح، لكانت النّهاية بالنّسبة للخروف.لكان ضائعاً، ضائعاً للأبد. ولكنّه لا يستطيع أن يُعيدَه بالقوّة، لا يستطيع أن يسجنه من خطيئة دون موافقته. هو بحاجة لموافقة الخروف. الحاجة للمحبّة، الحاجة للسّماح، اللذّان يُعبّران يطريقة حسيّة.. لا يستطيع الرّاعي إلاّ ومساعدة الخروف. إذا فعل هذا بالقوّة، لن تكون النّتيجة إلاّ ضعيفة. ما إن تسنح له الفرصة، سيتركه الخروف من جديد للوقوع في فسقه. آه! لو يُدرك الخروف هذا الخوف الذي تشعر به بعض النّفوس على فراش الموت، عندها، تزدهر نعمة الله حتّى أنّها تفيض. لنتذكّر اللّصّين المصلوبين مع المسيح. فقد بقي اللّصّ الشّرير في خطيئته وسَخِرَ من يسوع. أمّا الآخر، مجرم كالأوّل، قد اعترف بغلطته، طلب السّماح حتّى أنّه أراد الإهتداء لصديقه المسكين : ״ أما تخشى الله وأنتَ مشترك في هذا القصاص! أمّا نحن فبعدل لأنّا نلنا ما تستوجبه أعمالنا وأمّا هذا فلم يصنع شيئاً من السّوء״. ثمّ قال ليسوع : ״ يا ربّ، اذكرني متى جئتَ في ملكوتكَ״. فقال له يسوع : ״ الحقّ أقول لكَ إنّكَ اليوم تكون معي في الفردوس״ ( لو ٢٣ ٤٠- ٤٣).

الخراف التّسع والتّسعون

لم تفقد هذه الخراف طريقها. والسّبب أنّها تمارس الفضائل الأربع الرّئيسيّة. عندما مرّ المجرّب، نظرت إليه دون حراك. هذه الخراف هي سعادة الرّاعي. هي مخلصة، حذرة، مُحبّة لراعيها وتُبرهن له عن حبّها بسماعها صوته وبإطاعة أوامره. يُمكننا أن نظنّ أنّه يحقّ لها بإدانة الخروف الخاطئ. ليس صحيحاً. ليس أكثر عندما ضاع الخروف وعاد إلى الحظيرة. فهل وبّخته؟ لا! رفضت ذلك. هل عاتبت الرّاعي قائلةً :״ لقد غاص أخينا في فسق الخنازير، ولا نريده بعد الآن بيننا مخافة أن يُدنّسنا״. لا! على العكس! لقد فرحت لعودة الأخ الضّال، لأنّه كان ضائعاً وها قد وُجِدَ، كان ميتاً وها قد عادَ إلى الحياة. إنّها فعلاً طيّبة هذه الخراف التّسع والتّسعين وطاهرة، لأنّ الطّيّبين والطّاهرين لا يَعلقوا. أبداً. هم يتفهّمون.

طوبى لأنقياء القلوب، لأنّهم سيرون الله

هذا هو عنوان توصية * بعض الكتابات تعطي عنواناً للتّوصيات : ״ هكذا قال فرنسيس . بالفعل، إنّ أصولها هي مداخلات القدّيس فرنسيس في اجتماعات الأخوة، أو الفصول. كان يوجّه لهم آراء، أوامر، تحذيرات״(٣ ر ٥٧). تروي سيرة بروجيا عن هذه الأحاديث مع الإخوة ״ وتعطي بعض الأمثال(٧١). نحتفظ ببعض الشّهادات المدوّنة التي تحمل عنوان التّوصيات. بعض التّوصيات هي ملاحظات موجزة على شكل تعليق إنجيل ؛ والبعض الآخر، هي إرشادات روحانية ؛ وأخيراً، البعض هي آراء موجّهة لتحديد بعض النّقاط من القاعدة، ״ ملاحظات مختصرة ضروريّة للمسيرة الجيّدة لحياة الأخويّة ״(١ ش ٣٢). نستطيع أن نصنّف التّوصيات إلى قسمين متلاحمين نسبياً : الإرشادات(١ إلى١٢) ؛ والتّطويبات (١٣ و جر). جميعها ولكن الأخيرة خاصّة تستحق فعلاً التّعريف الذي يُعطيه الأب كوثبرت :هي تشكّل القَسَمُ على الجبل ״ للقدّيس فرنسيس. Editions Franciscaines 1981, Saint François d’Assise Documents, P. Théophile Desbonnets et P. Damien Vorreux,p.39(introduction aux admonitions) فرنسيس السّادسة عشر. سندلي فوراً النّص الموجز، لأنّه سيدخلنا في اكتشاف أو تعمّق بما قد نسمّيه نقاوة القلب.
״ طوبى لأنقياء القلوب، فهم يعاينون الله.״
أنقياء القلوب الحقيقيّون هم الّذين يزدرون الأمور الأرضيّة، وينشدون الأمور السّماويّة،
ولا يكفّون أبداً عن عبادة الرّبّ، الإله الحيّ والحقّ، ورؤيته، بقلب ونفس تقييّن.
سنطرح فضيلة الطّهارة من خلال بعض الأطر وفات من حياة فرنسيس وإخوته. سنرى فصلين حيث يساعد فرنسيس أخيه ماسّيو. سنلتقيه بعدها مع سكّان سينّنا. أخيراً، سنراه يكشف خداع أخٍ يدّعي أنّه قدّيس. سنشاهد طهارة القلب هذه، عند فرنسيس نفسه. كان همّ فرنسيس دائماً مساعدة إخوته وقريبه في توجيه قلوبهم نحو أبانا السّماويّ. سنراه إذاً يعمل في هذا الاتجاه.
ستجعل بعض هذه الأطر وفات عن حياة فرنسيس على تدخّل واحدٍ من إخوته الأكثر تعلّقاً لفرنسيس : الأخ ماسّيو. من أجل قراءة أفضل للأسطر المقبلة، لنبدأ بالتّعريف عن الأخ ماسّيو : ولد في مارينيانو وقد وهبه الله الكثير من النّعم الجسديّة والثّقافيّة. هو طويل القامة، بهيّ الطّلعة. يتمتع برشاد قويّ. خفيف الظّلّ وأحياناً أيضاً، ساخر قليلاً. لديه موهبة الرّدّ السّريع وخاصّةً ، ربّما، نوعاً من الفصاحة البسيطة والمقرّبة للكلام عن الله. يؤثّر في القلوب ولديه نجاحاً بارزاً قرب المستمعين له.
دخل إلى الرّهبنة بين عام ١٢١٠ و١٢١١. سينتهي به الأمر ليصبح متواضعاً جدّاً باتّصاله مع فرنسيس وبعد أن تلقّى من هذا الأخير بعض الدّروس المُستحقّة... * إنّ الأحداث التّالية ملهمة من قبل״ الڤيورتّي ״ الفصلين١٠ و١١، الّلذان سيُدمج فيهما نصوصاً أخرى﴿ستحدّد المراجع في حينها﴾.

بواسطة نعمة الله

توجد قرب البورتسيونكولا غابةً صغيرةً حيث كان يحبّ الأخ فرنسيس الانعزال للصّلاة. عاد يوماً من تلك الغابة بعد الصّلاة مطوّلاً وها هو يتّجه نحو الرّهبنة. حين كان يمشي، بقي وجهه منيراً من التّأمّل. إذا كانت عيناه تنظران إلى الطّريق لتأمران القدمين بالوضع الصّحيح، فإنّ نظره، هو، كان غائباً، دائماً بعيداً. في تلك اللحظة، ناداه الأخ ماسّيو. لقد أتى هذا الأخير لملاقاته. قبل بضع لحظات، وهذا لم يلاحظه فرنسيس، توقّف الأخ ماسّيو عن المشي لمراقبة فرنسيس مقبلاً إليه بشكلٍ أفضل.

عندما وجّه الأخ ماسّيو الكلام لفرنسيس، كان يضحك ويميل برأسه إلى اليمين والسار، وبالعكس، كمن

يقول ״ لا أفهم״ !. أمّا نبرة صوته فليست بماكرة ولا بمتكبّرة. يتكلّم كصديق نستطيع أن نقول له كلّ شيء، حتّى الاستجوابات الأكثر حشريّة، بل الجريئة. لأنّ السّؤال الذي طرحه على فرنسيس يتضمن شيئاً من الجرأة :״ لماذا لكَ أنتَ ؟ لماذا لكَ أنتَ؟ لماذا لكَ أنتَ؟ ״ توقّف فرنسيس عن المشي ورأى الأخ ماسّيو هنا، على بضع خطوات أمامه. عيناه كبيرتان بالتّساؤلات. ״ لا أفهمُ ماذا تعني بسؤالكَ. ماذا تريد أن تقول بقولكَ ״ لماذا لكَ أنتَ״؟״. ظهرت ابتسامة عريضة على وجه الأخ ماسّيو وإذ يفتح يديه ويرفع كتفيه، حدّد : أقول :״ علام يؤثّر الجميع السّعي وراءك دون سواكَ، وما الذي يذكي فيهم الرّغبة في رؤيتكَ، وسماعكَ، وإطاعتكَ، مع أنّكَ لستَ وسيماً، وما من جمالٍ في قامتكَ أو في محيّاكَ، ولستَ على قسطٍ من الثّقافة وفير، ولستَ من محتّدٍ نبيل؟״

كأيّ كائن، عند سماعنا مثل هذا السّؤال، لا نظلّ صامتين لأنّ كلّ واحدٍ مناّ لديه كرامته ولا نقبل بالإذلال. لكن ليس بالنّسبة لفرنسيس. على العكس، تهلّل فرنسيس بالرّوح، رفع عينيه إلى السّماء، وبقي هكذا فترةً، ونفسه مشدودة إلى الله كمن ينتظر جواباً للسّؤال. نظر إليه الأخ ماسّيو، مندهشاً تقريباً لصمته. ثمّ، على مهلٍ،جثا فرنسيس شكر الرّبّ وسبّحه.التفت إلى الأخ ماسّيو وقال له :״ تريدُ أن تعرفَ لماذا أنا؟ تريدُ أن تعرفَ لماذا أنأ؟ تريد أن تعرف لماذا يأتي الجميع إليّ؟ إنّ الجواب على هذا السّؤال الثّلاثي هو، أنّ ها قد أوضحَ لي الرّبّ الكلّيّ القدرة، الذي يرى الخير والشّرّ. لو اختار خادماً وسيماً، أو خادماً عالماً أو أيضاً خادماً نبيلاً، لأستنتج النّاس بأنّهم يتبعونني لواحد من هذه الأسباب وأنّ طيبة الله، أو نعمته ليستا بشيء من كلّ هذا.״

״لا! إنّ الله في نعمته، اختار من بين جميع خليقته الخليقة الأكثر حقارة. اختارني، لهذا السّبب، لكي يخزي كل نبلٍ، وعظمة، وجمالٍ وحكمة في العالم، ولكي يعترف الجميع أنّ كلّ قوّةٍ، وكلّ فضيلةٍ، هي من الله تأتي، ولا من الخليقة، وأنّ، على كلّ من يفتخر، فبالرّبّ * ״...بل اختار الله الجاهل من العالم ليخزي الحكماء؛ واختار الله الضّعيف من العالم، ليخزي القويّ؛ واختار الله الخسيس من العالم والحقير وغير الموجود ليُعدم الموجود لكي لا يفتخر ذو جسد أمامه. وبه أنتم في المسيح يسوع، الذي صار لنا من الله حكمة، وبرّاً وقداسة، وفداء، حتّى إنّه، كما كُتِبَ، من افتخر فليفتخر بالرّبّ. ״ ١ كو١ ٢٧-٣١. وحده يستطيع أن يفخر، فله المجد والسلطان إلى الأبد.״

عند سماعه هذه الكلمات، ذرف الأخ ماسّيو دموعاً. طبعاً، لم يتوقّع جواباً كهذا. متأثّراً من هجره للرّبّ، ركع بدوره أمام فرنسيس وسأله : ״ باركني، يا أخ فرنسيس، وصلّي للرّبّ لكي يهبني فضيلة التّواضع المقدّسّة.״

نظرَ فرنسيس في عيني الأخ ماسّيو و بما أنّهما الآن راكعين وقريبين جدّاً من بعضهما البعض، أخذ يدا الأخ ماسّيو قائلاً : ״ طوبى للخادم الذي يردّ إلى الرّبّ الإله كلّ خيراته. فالّذي يحتفظ بشيء لنفسه، يُخفي مال الرّبّ إلهه، ولذلك، فما كان يظنّه له يُؤخذ منه * ت ١٨.

على طريق سبينا

كان فرنسيس يختار أحياناً الأخ ماسّيو كرفيق درب لسحر كلامه وحكمته الكبيرة. سنراهما كليهما

لفترة، بعد الحلقة السّابقة، وهما يمشيان معاً على طرقات تسكانا. يتقدّم الأخ ماسّيوقليلاً في المشي أمام فرنسيس. توقّف الآن على مفترق بوجيب ونسي الذي يسمح بالقادم من أسّيزي، بالذّهاب نحو ثلاث اتجاهات مختلفة : فلورنسا، سبينا أو أريزّو. التفت الأخ ماسّيو وقال:״ يا أخي، أيّ طريق علينا أخذها؟״ أجاب فرنسيس : ״ذاك الذي يرشدنا إليه الرّبّ.״ إثر هذا الجواب فرط الأخ ماسّيو بالضّحك وقال:״ ها ! ها! وكيف لنا معرفة إرادة الله بخصوص هذا الموضوع؟״ أجاب فرنسيس :״ من خلال العلامة التي سأريكَ إيّاها؛ إنّني، باسم الطّاعة المقدّسّة، آمرك أن تدور حول ذاتكَ بأقصى سرعة، على نحو ما يفعل الأولاد، في المكان المحدّد حيث تقع قدميكَ في هذه الّلحظة.وأن تظلّ تدور حتّى آمركَ بالتّوقف.״

فتح الأخ ماسّيو عينين كبيرتين ولكن، بسبب الطّاعة المقدّسّة، بدأ بالدّوران في وسط المنعطف. كان المّارون يبتسمون عند رؤيتهم لهذا الرّجل الكبير الذي يدور كولد حول نفسه. حتّى أنّ البعض منهم لا يتردّد بإطلاق صيحات״ هولا״ عندما وقع الأخ ماسّيو على الأرض بسبب الدّوار. لكنّ هذا الأخير، بكلّ شجاعة وتواضع، كان يقف ويدور من جديد لأنّ فرنسيس لم يقل له بالتّوقّف. وفي لحظة كان الأخ ماسّيو يدور بسرعة كبيرة، صرخ له فرنسيس :״ قف ولا تتحرّك. ״ وإذ بالأخ ماسّيو،محاولاً في آخر جهد لكي لا يقع، يتوقّف عن الدّوران. سأله فرنسيس :״ في أيّ اتّجاه يدور رأسكَ؟״ . أجاب الأخ ماسّيو:״نحو سبينا״. تابع فرنسيس :״ إنّها الطّريق التي يريد الله أن نسلكها״.

وهكذا تابع فرنسيس وماسّيو طريقهما، ماسّيو دائماً متقدّماً قليلاً وفرنسيس وراءه. وإذ هو يمشي، كان الأخ ماسّيو يقول في نفسه :״إنّ فرنسيس حقّاً مميّز. لقد جعلني أدور هكذا كولد أمام جميع المّارّين في المنعطف.״ غير أنّه لم يتجرّأ أن يقول شيئاً لفرنسيس احتراما له. لكن، لنقل منذ الآن، أنّه وجد صعوبة ً״ لهضم״ الوسيلة المتّبعة لمعرفة الإرادة الإلهيّة.

وإذ هما يقتربان من سبينا، جاء سكّان المدينة لملاقاتهما. لقد أُنذروا من قبل مسافرين مسرعين أكثر من أصدقائنا وأعلنوا هذه البشرى :״ إنّ القدّيس من أسّيزي وصل مع أحد رفاقه ״. فجثا النّاس أمام الأخوين الصّغيرين، مذعورين.״ تعالا بسرعة ! يتقاتل بعض سكّان سبينا بينهم بسبب قصّة نساء ومال. هناك قتيلان وهذا قد يؤدّي إلى مضاعفة الأزمة إذا لم يتدخّل أحد لإحلال السّلام.״ حثّ فرنسيس وماسّيو خطيهما وتوجّها إلى قلب المعركة. صيحات، إهانات، ضربات ودم يجري. هذا هو المشهد المخيف الذي تراءى لهما عند وصولهما. ״ توقّفوا‘ يا سكّان سبينا! توقّفوا واستمعوا !״ صرخ فرنسيس. ״ اسمعوا هذا المثل״.

مثل حول الأنظار الموجّهة للنسّاء

أرسل ملك نافذ تدريجيّاً رسولين إلى الملكة. عاد الأوّل واكتفى بالجواب ؛ لقد أبقي عينيه مغمضتين وطبّق كلمة سفر الجامعة :״ اصرف طرفكَ عن المرأة الجميلة ولا تتفرّس في حسن الغريبة״ ﴿ سي٩ ٨﴾. عاد الرّسول الثّاني بدوره وبعد أن أبلغ في بضع كلمات رسالته، تطرّق إلى جمال الملكة:״ في الحقيقة، يا مولاي، لقد شاهدتُ المرأة الأكثر جمالاً؛ هنيئاً لمن ينعم بها !״ لكنّ الملك قال:״ أيّها الخادم الشّرّير، لقد نظرتَ بعينيكَ الفاسدتين على امرأتي. من الواضح أنّكَ تمنّيتَ امتلاك تلك التي تفرّست فيها عيناك.״ أمر الملك بمجيء الرّسول الأوّل وقال له :״ ما رأيكَ بالملكة ؟״ أجاب الرّسول:״ لقد أُعجبت بالاهتمام الذي كانت تتلقى به تعليماتكم. ״ سأل الملك:״ أليست جميلة؟ يا مولاي، لكم وحدكم أن تحكموا في ذلك. أمّا أنا، فكان عليّ إبلاغها رسالتكم فحسب.״״عيناكَ طاهرتان، أقرّ الملك، ابق هكذا في دياري. أمّا الآخر، فليطرَد من القصر، مخافة أن يُدنّس فراشي ! ״ وتابع فرنسيس : ״ اسمعوا، يا سكّان سبينا. عندما نكون واثقون جدّاً من أنفسنا، لا ننتبه كثيراً للعدوّ، وهذا ما فعله الشّيطان باكراً، عندما أمسككم من خصلة من شعركم وحوّلها إلى مِقرَنٍ ثقيل. وحتّى إذا لم ينجح، بعد سنوات من التّجربة، لإخضاع رجلٍ، قلّما تهمّ المدّة المهم أن يكون منتصراً في النّهاية. هذا هو عمله الوحيد؛ ليس لديه انشغالات أخرى لا في النّهار ولا في الّليل.״ * حسب ٢ ش ١١٣.

لا يجب أن ندع خطيئة الغير تدمّرنا

وتابع فرنسيس : ״ ولكن، عندما نقابل شخصاً، الذي هو في شتّى الأحوال أخاً، وقد اقترف خطيئةً كبيرةً، فهل بدورنا ندع أنفسنا تُتلفُ من جرّاء هذه الخطيئة؟ هل نزيد غلطةً جديدةً على الأخرى بحكمنا على الأخ، مغتابين عليه، بضربه أو بقتله ؟ لا ! في الحقيقة، بقدر ما كانت الغلطة المقترفة من الآخر كبيرة، فإنّ خادم الله قد يُصاب في حبّه لإله المُهين، لكن لا يجب أبداً أن يفقد سلام النّفس أو أن يغضَبَ. إذا فقدَ سلام النّفس أو غَضِبَ، فسيساهم ظلماً إلى حقّ لا ينتمي إلاّ لله: الحكم على غلطة.

إنّ خادم الله، الذي لا يغضَب ولا يضطرب، لأيّ سبب، يعيش باستقامة، من دون أيّ شيء خاص. طوبى لمن لا يحتفظ لنفسه بشيء، بل يُعطي لقيصر ما هو لقيصر، ولله ما هو لله * حسب ت ١١. ״. استراح فرنسيس نَفَسَهُ ببطء وإذ ينظُرُ بحنان إلى جميع الوجوه الملتَفِتَة إليه، تابع على نمط قريب من الصّلاة أكثر من الوعظ :

أحبّوا أعداءكم

״ أحبّوا أعداءكم ״، يقول الرّبّ.
من
يُحبّ عدوّه حقّاً، هو من لا يحزن من جرّاء ظلم يُلحقُه به هذا العدوّ، إلاّ أنّه، حبّاً بالله، يحترق بسبب خطيئة تُلطّخ نفس عدوّه. ويُعبّرُ له عن حبّه بالأعمال. * ت ٩.

طوبى لصانعي السّلام

طوبى لصانعي السّلام، لأنّهم يُدعون أبناء الله.
صانعو السّلام الحقيقيون هم الذين، مع كلّ ما يعانون في هذا الدّهر، وحبّاً بربّنا يسوع المسيح، يحتفظون بسلام النّفس والجسد. * ت١٥.
السّلام لكم، يا إخوتي ! السّلام لكم ! كونوا واحداً كما هو ألآب، الابن والرّوح القدس.

تأثّر سكّان سبينا لهذه الكلمات ولقوّة الرّوح التي لُفِظَت من خلالها، فتسامحوا فيما بينهم للإهانات المقترفة. وجمعت بينهم جميعاً وحدة كبيرة منذ تلك اللّحظة.

الإفراغ إلى النّفس لرؤية الأعمال الإلهيّة

عندما علم أسقف سبينا بهذا التّدخّل، دعا فرنسيس إلى منزله واستقبله هو والأخ ماسّيو، بعرض وتكريم جدير بالأسياد. تناولوا العشاء معاً وأصرّ الأسقف بأن يُمضيا الّليلة في المطرانية. قَبِلَ الأخوان بما أنّ السّاعة كانت متأخّرة. لكن في الصّباح الباكر، قبل بزوغ الفجر، أيقظ فرنسيس ماسّيو وقال له :״ لنذهب بسرعة قبل أن يوقظنا أحد لأنّنا هنا نعامَل معاملة رائعة״. وهكذا، رحلا من سبينا دون إعلام أحد من ضمنهم الأسقف.
على طريق العودة إلى أسّيزي، تمتم الأخ ماسّيو في نفسه : ماذا يفعل هذا الرّجل الطّيب ؟ أوّلاً جعلني أدور كطفل أمام الجميع. ثمّ، لم يقل كلمة طيّبة للأسقف الذي أنعم عليه بالإكرام، وها قد رحلنا دون أن نشكره. بصراحة، يبدو لي أنّ الأخ فرنسيس يتصرّف أحياناً دون معرفة كبيرة. وتقدّم الأخ ماسّيو متمتماّ هذه الأفكار الحزينة. ولكن فيما بعد، بما أنّ المشي يساعد على التّفكير والتّأمّل، فرغ الأخ ماسّيو في نفسه وبدأ بالاتهام: كيف، أنتَ الأخ ماسّيو، يمكن أن تكون متكبّراً ؟ إنّ الأعمال التي أدّاها فرنسيس في نهار واحد هي أكثر قداسة حتّى أنّ ملاك الله لم يستطع إنجاز مثلها.

لو لم يُصالح فرنسيس هؤلاء النّاس الذين تقاتلوا بينهم لكان وقع الكثير من الضّحايا مع القتيلين الأوّلين وأيضاً لجرّت الكثير من الأرواح إلى الجحيم من قبل الشّيطان. كم يمكن أن تكون غبيّاً، أنت الذي تعتقدُ أنّكَ ذكيّ ! كم أنتَ متكبّراً، أنت الذي تُتمتمُ ضدّ أخيكَ القدّيس لأنّ الأعمال التي أنجزها فرنسيس أمس تأتي علناً من إرادة الله، كما يظهر من خلال القيم الحسنة التي تلت.״ أمّا الأخ فرنسيس‘ فقد تابعَ سيره وراءه بصمت.ولكن كما بقيّة القدسيين * لاسيّما القدّيس الكاهن من آرس. ، فإنّ لفرنسيس معرفة رائعة للنّفوس * هناك نموذجات تفيض عند هذه السّير مثلاً : س ب٢٨،٣٠ ؛ ١ ش٤٨-٥٠ ؛ ٢ ش٢٨-٣١،٤٠؛ س م٩ ٨-١٣. والتي تسمحُ له برؤية أفكار النّاس السّريّة بوضوح. كلّ ما قاله الأخ ماسّيو في نفسهن عرفَه فرنسيس. لدرجة أنّ بعد أفكار الأخ ماسّيو الأخيرة، اقتربَ فرنسيس منه، ووضعَ يده على كتفه قائلاً : أخ ماسّيو، يا أخي ماسّيو الطّيب؛ ابق على أفكاركَ الشّخصيّة لأنّها حقيقية، طيّبة، نافعة وملهمة من الله. انس الباقي، التي هي، كانت ملهمة من الشّيطان. ״

أخ آخر يدّعي أنّه قدّيس

بعد سنوات عدّة، وصل فرنسيس إلى جمعية أصاغر حيث يعيش أخاً هناك حياة قداسة مثاليّة. فهو يصلّي ليلاً ونهاراً. يحافظ على صمت طويل حتّى أنّه عندما يعترف لأخ آخر، كان يعمد إلى إشارات دون لفظ أيّة كلمة .

كان يبدو تقيّاً ويلتهب حبّاً قوّيّاً لله. عندما يتكلّم الإخوة حول موضوع تقيّ، كان يُظهرُ فرحاً داخلياً وخارجياً كبيرين، لسماعهم دون التّكلّم.لرؤيته هكذا، كان الكثيرون يعتبرونه قدّيساً.
كان يعيش على هذا الحال منذ بضع سنوات عندما جاء فرنسيس إلى الدّير حيث يسكن هذا الأخ. لم يتردد الأخوة عن إظهار الحماس الذي يبدونه تجاه هذا الأخ لفرنسيس وسبب اعتباره قدّيساً. لكنّ فرنسيس قاطع عرض التّهليل لهذا الأخ قائلاً :كفى يا إخوة! لا تشرّفوا للذي ليس إلاّ مكراً ونفاقاً. إذا لم يرد هذا الأخ بالإشراف، هذا لأنّ في محتوى حياته يوجد تجربة ومكر شيطانيين. في الحقيقة، إنّ هذا الرّجل يجرّ ويغري بنفسه المكره. عند سماعهم هذا، تعجّب الإخوّة وسألوا فرنسيس : كيف يستطيع خداع وقح أن يُختبّئ تحت هذا الشّكل الكامل؟ أجاب فرنسيس : إذاً امتحنوه ! اطلبوا منه بأن يعترف مرّتين أو على الأقلّ مرّة كلّ أسبوع. إذا رفضَ، سترون أنّني قلتُ الحقيقة.
وهكذا، انفصل النائب العام الذي كان حاضراً في هذا الوقت، بالأخ الذي يبدو قدّيساً وبدأ بمحادثته بطريقة ودّيّة. المحادثة هي، طبعاً، طريقة للتّحادث فالأخ لا يتكلّم إلاّ بالإشارات. أخيراً، أمر النائب العام الأخ بالاعتراف مرّتين أو على الأقلّ مرّة كلّ أسبوع. رفض هذا الأخير، ووضع إصبعه على فمه وهزّ رأسه مشيراً بذلك أنّه لن يعترف. ذُهِلَ الإخوّة عند إعلامهم بالرّفض. فللمرّة الأولى، يأمر نائب الرّهبنة العام أخاً بصدده لعيش سرّا مقدّسا إنّهم يعلمون فعلاً أنّ الاعتراف يمكن أن يكون، ليس فقط سبباً بل تعبيراً عن القداسة. فضلاً عن ذلكن عندما تأكّدوا من رفض الأخ إطاعة النائب العام، تذكّروا وصيّّة فرنسيس التّي عبّر عنها في فصل عام حول الطّاعة الكاملة والطّاعة غير الكاملة * ت ٣ ﴿مستخرج﴾. : ״ يقول الرّبّ في الإنجيل : من لم يتخلّ عن كلّ ما يملكه، لا يستطيع أن يكون لي تلميذاً...״ كيف العمل للتّنازل عن كلّ ما تملك؟ بالاستسلام الكامل بين يديّ رئيسه. ومهما عمل أو قال ، وهو عالم أنّه لا يخالفُ مشيئته شرط أن يكون ما عمله خيراً فلذلك طاعة حقّة. وإن ارتأى المرؤوس، أحياناً، ما هو أفضل وأنفع لنفسه، ممّا يأمره به رئيسه، فليُضح لله طوعاً، بآرائه وليجهد في تنفيذ آراء رئيسه. هذه هي طاعة المحبّة، لأنّها تُرضي الله والقريب... هناك رهبان كثر، بحجّة أنّ رؤيتهم للأمور هي أفضل ممّا يأمرهم به رؤساؤهم، يلتفتون إلى الوراء، ويعودون إلى قيء إرادتهم الذّاتيّة. هؤلاء هم قتلة، فمن جرّاء أمثلتهم السّيئة، يُسبّبون هلاك نفوس كثيرة.״ أمام هذا الرّفض الواضح״ من القدّيس״ للاعتراف، سكت الأخوّة. لقد خشوا أخيراً بأن يُثبِتَ عن خداعه من خلال تمثيله. مذهلون، فضّلوا السّكوت. والحالة هذه، ترك الأخ الذي يدّعي أنّه قدّيساً الرّهبنة، بعد عدّة أيّام، من تلقاء نفسه. والأمر المحزن أنّه ترك الرّهبنة دون أن يتصالح مع ربّه وإخوته. تنتهي المواقف الغريبة والممّيّزة دائماً بالفساد. ويختم توماس دي شيلا نو * ٢ ش ٢٨. :״ لنتجنّب التّمييز الذي ليس إلاّ هوّة جذّابة ״.

الصّراع من أجل الطّهارة

يقول فرنسيس * ت ١٦. :״ أنقياء القلوب الحقيقيون هم الذين يزدرون الأمور الأرضيّة، وينشدون الأمور السّماوية، ولا يكفّون أبداً عن عبادة الرّبّ، الإله الحيّ والحقّ״ . الاستخفاف بخيرات الأرض للبحث عن الثّروات السّماويّة ؛ هذه أشياء سهلة القول كالفعل ! إذ في كلّ إنسان، لأنّه كائناً مؤلّفاً من الرّوح والجسد، يوجد نوعاً من الضّغط، صراعاً بين״ الرّوح والجسد״4 * ينتمي هذا الصّراع إلى ميراث الخطيئة. يُمحي العماد الخطيئة الأصليّة، ولكن رغم اختفائها كليّاً، فإنّ هذه الأخيرة لطّخت روحنا بجعلها ضعيفة، تاركةً إيّاها أكثر عرضة للوقوع في الخطيئة. فهي قليلاً كطفلٍ، يعاني من مرض عُضال، بالرّغم من أنّ والديه هما بصحّة جيّدة. لقد شُفِيَ الطّفل بأعجوبة( نعمة سرّ العماد). لكن من خلال هذا المرض العضال، سيواجه الطّفل ضعفاً طيلة حياته، رغم أنّه شُفِيَ كلّيّاً، ضعفاً لم يعرفه لو لم يكن مصاباً بهذا المرض العضال الذي نجا منه( هذا هو ميراث الخطيئة الأولى التي تتطلّب، كلّ الحياة، صراعاً بين الجسد والرّوح). . من أجل هذا خصوصاً، لا يجب الاستخفاف بجسدنا الكامل أو بجسد إنسان آخر. لكنّ الجسد هو، جدير بالاحترام. فالله الإنسان صار جسداً. قام من بين الأموات، أيّ أنّ جسده قام، ونحن أيضاً مدعوين لمعرفة هذه القيامة. إنّ طهارة القلب تسمح لنا برؤية الجسد الإنساني، جسدنا أو جسد الآخر، كبيت للرّوح القدس، ومظاهرة للجمال الإلهي. لكنّ استعمال الجسد لغاية ليست له * " إنّه جسدي" هذا ما نسمعه غالباً، و"أفعل به ما أريد". هذه الطّريقة الخاطئة لتصوّر جسدنا، التي تجعله ينحدر إلى صفّ الأشياء، الجسد لي لا يقدر إلاّ بأن ينجرّ إلى الأسفل. هذه الطّريقة لا تستطيع أن تُنمّي طهارة القلب. لنعتبر إذاً جسدنا الخاص كنور عبارة تُلخّص هي وحدها الكثير من الأشياء:" جسدي هو أنا". إذاً هو جدير بالاحترام. ، تؤدّي إلى مخاطرة جرّ روحنا للهلاك. بما أنّ الجسد ينجرف إلى الهلاك أيضاً. إذاً، إنّ الصّراع كما هو مدوّن أعلاه، أو الصّراع من أجل الطّهارة هو المباشرة فيه يوميّاً. إذا كان سرّ العمادة ينعم للذّي يحصل عليه على نعمة الطّهارة من جميع الخطايا، يجب أن يتابع فالمعمّد الصّراع ضدّ شهوة الجسد * يميّزُ القدّيس يوحنّا ثلاثة أنواع من الشّهوات أو الرّغائب : شهوة الجسد، وشهوة العين وصلف الحياة. بحسب التّقليد في التّعليم الدّيني الكاثوليكي، تُحظّر الوصيّة التّسعة شهوة الجسد، والعاشرة تنهى عن شهوة مال الغير. ت م ك ك٢٥١٤.على التّائبين أن يعدّدوا، في الاعتراف، كلّ الخطايا المميتة التي يتذكّرونها، بعد محاسبة للنّفس متقنة، حتّى وإن كانت هذه الخطايا حميمة جدّاً، واقتصرت على مخالفة الوصيتين الأخيرتين في لائحة الوصايا العشر، فهذه الخطايا تجرح النّفس أحياناً بجرح أبلغ وأخطر من الخطايا التي تُرتكب بمشهد من الجميع. ت م ك ك١٤٥٦. والرّغبات المشوّشة * تحملنا الشّهوة الحسّيّة على أن نرغب في الطّيبات التي ليست لدينا وتدفعنا إلى أن نشتهي، دون وجه حقّ، ما لا يعود إلينا، ويمتلكه غيرنا أو هو من حقّه. تنهى الوصية العاشرة عن الطّمع والرّغبة في تملّك لا محدود للخيرات الأرضيّة؛ وتُحظّر الجشع المنفلت التأتّي من هوىً مفرط للثّروة وقدرتها.وهي تمنع أيضاً من الرّغبة في ارتكاب ظلم ي‘ساء به إلى القريب في أمواله الزّمنيّة.ت م ك ك٢٥٣٥و٢٥٣٦. . فيتوصّل بنعمة الله إلى : ● من خلال فضيلة وهبة الطّهارة، إذ إنّ الطّهارة تؤدّي إلى الحبّ بقلب صالح دون مشاركة ؛ ● بواسطة طهارة النيّة التي ترتكز على إصابة النّهاية الحقيقية للإنسان : بعين بسيطة، يبحث المعمّد إلى إيجاد وانجاز رغبة الله في كلّ شيء﴿روم ١٢ ٢؛١ كو ١٠﴾؛

●بواسطة طهارة العين، الخارجية والدّاخليّة ؛ من خلال تنظيم المشاعر والخيال ؛ من خلال الرّفض لكلّ مجاملة للأفكار الشريرة التي تؤدّي إلى الانعطاف عن طريق الوصايا الإلهيّة :״ التي في النّظر إليها فضيحة للسفهاء بعشقهم﴿حك١٥ ٥﴾״؛

● من خلال الصّلاة * ״ كنتُ أظنّ أنّ العفّة متعلّقة من قواي الخاصّة،﴿٠٠٠﴾ قوىً لا أعرفها. وكنتُ غبيّاً كفاية لدرجة أنّني لم أعلم أنّ لا أحداً يُمكن أن يكون عفيفاً إذا لم تعطه. وطبعاً، لكنت أعطيته، لو أنّ من خلال أنيني الدّاخلي، لضربت على أذنيك وإذا بإيمان قوي، لرميتُ همّي فيكَ. القديس أوغسطين، .

الاهتداء والمصالحة- طهارة القلب

البند ٧.

״ إخوة وأخوات التّوبة ״ * إقتراح حياة سنة١٢٢١. ، بناء على دعوتهم، نشيطون من خلال ديناميكيّة الإنجيل، سيلتزمون بطريقة تفكيرهم وفعلهم كما المسيح، من خلال هذا التّغيّر الكلّي الذي يدعوه الإنجيل ״ الاهتداء ״ ؛ فهذا الأخير، بسبب ضعف البشريّة، يجب تكراره كلّ يوم * Const. Sur l’Eglise 8 ; décret sur l’œcuménisme 4 ; const.apost « Paenitemini ;» préambule. فاتيكان ІІ .
على هذا الطّريق التجديدي الدّاخلي، فإنّ سرّ المصالحة هو في الوقت نفسه علامة مميّزة لشفاعة ألآب ومصدر النّعم * Décret sur le ministère et la vie des prêtres 18b فاتيكانІІ .

من خلال الفصول الأولى لهذا الكتاب، استطعنا أن نكشف معنى الكلمات ״أخويّة״ ، ״توبة״، ״ إنجيل״ ،״ اهتداء״. لذلك لن نعود بطريقة مفصّلة لتحليل هذا البند من قاعدتنا. لكن،بالنّسبة للبندين٧ و١٢ ﴿ الذي سنكشفه فوراً بعدها﴾. ، يجب أن نتعمّق في معرفتنا لهذا الخير الأكثر ثمناً الذي أعطاه الرّبّ لكلّ واحد منّا: روحنا. فروحنا هو الهدف من خلال هذا التّعبّير:״ طريق التّجديد الدّاخلي״. بالتّأكيد، إنّ روحنا هي الخير الأكثر ثمناً ! ألم يقل يسوع:״ ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه ؟״ ﴿متى١٦ ٢٦ ﴾.

ولكن ما هي الرّوح؟

لقد خلق الله الإنسان من جسد مع روح خالدة * يُمكنكَ عند الاقتضاء إعادة قراءة ، مع الاستفادة المقطع الذي يعالج الحياة في آخر الفصل٢ الذي يعطيك توضيحاً بين الوجود والحياة . النّفس هي هذه الرّوح الخالدة التي خلقها الله على شبهه لتكون متّحدة مع الجسد. فروحنا تسمح لنا بالتّفكير، بأن نحبّ والتّصرّف بحريّة. تحديداً أكثر، تسمح لنا بمعرفة الله، بحبّه وبخدمته. بمعنى آخر، إنّ روحنا هي مفتوحة للمافوقطبيعي، للنّهاية. بعد موتنا، إنّ روحنا مدعوّة لمشاركة فرح الله الخالد في السماء ولكن لكي لا نستعجل ولنهتمّ الآن بالحاضر * لأنّ هناك آونتين مهمّتّين جدّاً في وجود كلّ كائن بشري : اللحظة الحاضرة ولحظة الموت. وهذا صحيح لدرجة أنّ في كتابة المقطع الثّاني من صلاة السلام عليك يا مريم ״ ، تحدّد الكنيسة : ״ صلّي لأجلنا نحن الخطأة الآن وفي ساعة موتنا ״ . من هذه الأرض، تستطيع الرّوح أن تتّحد مع الله بواسطة النّعمة، أي إسكان الله في روحنا. نستطيع القول أنّ هذه المساكنة تمرّ بثلاث مراحل : الأولى، هي الخليقة ؛ الثّانية هي الخليقة الجديدة ؛ الثّالثة هي الكمال.

المرحلة الأولى هي مشتركة لدى الجميع، أي أنّ كلّ فرد أكان مسيحيّاً، عضواً من ديانة، عضواً من بدعة، ملحد أو مناهض لكنيسة المسيح، فله نفس روحيّة، خالدة، مخلوقة من الله. المرحلة الثّانية هي للصّالحين الذين، بإرادتهم، يجرّون الرّوح لخلق كامل أكثر، باتّحاد أعمالهم الطّيبة لأعمال الله. فهم يصنعون بالتّالي، نفساً أكثر كمالاً روحيّاً من أرواح المرحلة الأولى. المرحلة الثّالثة هي خاصّة للطوباويّين القديسين، الذّين يكبرون الرّوح بألف وألف درجة التي كانت في البداية روحاً بسيطة إنسانيّة وجعلوها تصبح روحاً تستريح في * م ڤ، الجزء ٣ ص.٣٨٣و ٣٨٤(خلاصة). الرّبّ. من أجل استيعاب أفضل لهذا التّدرّج، لنأخذ رمز الصّرح الدّيني المعروف من الجميع: صرح القدّيس بطرس في روما. فساحته الكبيرة، أوّلاً، المزخرفة والصّلبة،تُدخل زائره في نطاق الصّرح. وهذا الأخير، محرّم من قبل سلسلة من الأعمدة العملاقة المغروسة على شكل دائرة، كحائط دفاعي لقصر محصّن. وبنفس الطّريقة، يجب إحاطة الرّوح ، ملكة الجسد الذي هو معبد الرّوح الخالدة، بحاجز يدافع عنها دون أن نمنع النّور عنها. لهذا، فإنّ هاتين السلسلتين من الأعمدة الّتين تحاولان الانضمام بينهما، هما مفتوحتين عند طرفهما، كأنّها تعني أنّ هذا السّور، المقيم لحماية الصّرح، هو ملجأ للرّحماء الأكثر تعاسة الذين يجهلون ما هو الإحسان. في المرحلة الثانية، على الزّائر، للوصول إلى الصّرح، تسلق هذه السّاحة﴿ فهي فعلاً على منحدر﴾ ثمّ درجات ضخمة.يرمز هذا الصّعود إلى انعتاق الرّوح على الجسد. ندع في الأسفل كلّ ما هو ثقيل لنصعد نحو الفوقاني: الرّوح. في أعلى الدّرجات،يصل الحاج إلى أسفل صحن الكنيسة، مكان المبتدئين، المحبّة، الرّأفة، والرّغبة بأن يأتي الآخرين إلى الله. بما أنّ السّاحة تبقى خاضعة للتّقلّبات الطّبيعيّة﴿ الشّمس الحارّة أو المطر﴾، هذا الصّحن هو كغطاء مُرمى على مهد يتيم. ثمّ، خلف الأبواب، توجد المنحوتات الأكثر تكريماً للخالق. وبعد عدد كبير من الخطوات للاقتراب من ملتقى الجناح المصالب * إنّ صورة الثّالوث المرسومة في هذا المكان من قبل الفنّان تستحقّ الذّكر : فوق في الأعالي، تحت القبّة، الإله ألآب. لا يترك السّماوات؛ في الأسفل قليلاً، على سقف قبّة المذبح، يتجسد الروّح القدس على شكل حمامة ولكن أيضاً بالحركات التي أعطاها الفنّان لبساط القبّة البرونزي: نَفَس الرّوح القدس الذي ينزل؛ في أدنى الأسفل، على المذبح، الله الّذي تجسّد في يسوع المسيح من خلال الرّوح القدس : الإفخارستيّا، الجسد ودم المسيح. وتقدمة للمذبح عطيّة الفضائل. هنا، على المذبح، يكون الله حاضراً في سرّ القدّاس والرّوح البشرية مدعوّة للاتصال جسديّاً وروحيّاً مع الله.

تقولون لي : كلّ هذا جميل. لكن أليس الموضوع من البند ٧ من قاعدتنا عن ״ الضّعف البشري ״. فتطرح عندها تساؤلات عدّة.

كيف نعطي للرّوح: فسحة، حرّية ترفّع

لكي نعطيها فسحة، لنبدأ بتدمير الأشياء العديمة الجدوى التي هي في ״ الأنا ״. لكي نعطيها الحرّية، لنقتلع مجموعة الأفكار السّوداء. لترفّعها، لنستقبل الله محبّة في وسط حياتنا * بما أنّ الموضوع هو على ثلاث درجات، نستطيع التّحدّث أيضاً عن : التّوبة، الصّبر،الاستقرار. أو أكثر أيضاً: التّواضع، الطّهارة، العدالة. أو أيضاً: الحكمة، الكرم، الرّحمة. أو أخيراً الثّالوث المشعّ: إيمان، أمل، إحسان . .

إنّ المسيح، بطاعته حتّى الموت، آتى تلاميذه موهبة الحرّيّة الملكية، ״لكي ينتزعوا بكفرهم بأنفسهم وقداسة حياتهم، سلطان الخطيئة فيهم״ * ت م ك ك ٩٠٨(سطر٣٦). . ممارسة الحياة الأخلاقية التي تنعشها المحبّة تعطي المسيحيّ حريّة أبناء الله الرّوحيّة. فلا يقف أمام الله كعبد، يخاف خوف العبد، ولا كمرتزق يسعى إلى أجر، ولكن كابن يبادل بحبّ حبّ ״من أحبّنا أوّلاً״﴿١ يو٤ ١٩﴾ * ت م ك ك١٨٢٨. .

ما هي الخطيئة ؟

إنّ الخطيئة هي إهانة لله. يمكن أن تتّخذ أشكالاً عدّة مذكورة في صلاة الاعتراف. الخطيئة في الفكر، الكلمة، الفعل أو بالإهمال. في جميع الأحوال، هناك عصيان لوصايا الله التي هي وصايا محبّة: محبّة الله ومحبّة القريب. أجل، بمجرّد اقتراف خطيئة تجاه قريبه، يُعتبر أوّلاً عصياناً ضدّ خالقنا :״ إليك وحدك خطئتُ وأمام عينيك صنعتُ الشّرّ لكي تعدل في كلامك وتزكو في قضآئك״﴿ مز٥٠ ٦﴾. تقف الخطيئة ضدّ محبّة الله لنا. تحوّل قلبنا نحو الاتجاه الخاطئ كما فعل آبائنا الأول في جنّة عدن. الخطيئة، ״ محبّة النّفس لدرجة احتقار الله * 28 14 >.vic ,nitsuguA .S ״ توسّخ نفسنا. فهي، بصورة، كرمي السرير خارج البيت، مع الشّراشف النّظيفة، آنيّة المائدة والطّعام الجيّد لاستبدالها بقمامة بينية وبراز. البقاء في خطيئتنا، هو النّوم كلّ ليلة في القمامات وتناول كلّ يوم البراز. قد يُضحك المثل، لكن، بخصوص روحنا، هذا ما تُحدثه الخطيئة. فهي تطرد الله من روحنا لاستبداله بالشّيطان. أي أنّ هذا التّمجيد الأناني الخاص بنا لا يشبه قطّ طريقة تفكير وعمل المسيح اللتان تدعونا إليها قاعدتنا. يسوع، هو، بطاعته، أتمّ الخلاص. الخطيئة، هي الخسارة، عكس الخلاص. لكن، بفضل الله ألآب، الابن والرّوح، يمطننا إعادة تأهيل حياتنا الإلهيّة. تتطلّب هذه النّعمّة من الخاطئ، الاعتراف بأغلاطه. لأنّ ״ إذا الله خلقنا بدوننا، فهو لم يرد أن يُخلّصنا بدوننا״ * S.Augustin,serm.169,11,13. . وتقبّل رحمته يقتضينا الإقرار بذنوبنا.

إذا قلنا :״ إنّا بغير خطيئة، فإنّما نُضلّ أنفسنا، وليس الحقّ فينا.
وإن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل : فإنّه يغفر خطايانا، ويطهّرنا من كلّ إثم״﴿١ يو١ ٨،٩﴾. * ت م ك ك ١٨٤٧.

الرّحمة الإلهيّة في العهد القديم

في العهد القديم، إنّ فكرة״ الرّأفة ״ لها حكاية طويلة وغنيّة * إبتداءً من هذا المقطع والاثنين التّاليين، إنّ أهميّة محتواهما مؤلّفة من مستخرجات مكتوبة من الرّسالة البابويّة الثّانيّة للحبر البابوي يوحنا بولس الثّاني . . يجب العودة إليها لكي تتألّق كليّاً رحمة المسيح المكشوفة لنا. لا نُعِدّ بعد الآن الفرص حيث يُعبّر الله عن رحمته تجاه البشر، أكان على الصّعيد الفردي أو الجماعي. فلا تنقص الرّجال والأنبياء في إسرائيل لإيقاظ ضمير الله الرّحيم * قض٣ ٧-٩؛ ١مل٨ ٢-٥٣ ؛ ملا ٧ ١٨-٢٠ ؛ أش ١ ١٨،٥١ ٤ -١٦ ؛ با٢ ١١،٣ ٨ ؛ . وإنّ أصل هذا الإثبات يعبّر من خلال التّجربة الأساسيّة التي عاناها الشّعب المنتخب خلال الخروج : فقال الرّبّ إنّي قد نظرتُ إلى مذلّة شعبي وسمعت صراخهم من قبل مسخريهم وعلمت بكربهم فنزلتُ لأنقذهم﴿خر٣ ٧-٨﴾. في هذا العمل المنجز من الله، يكشف عن حبّه وعن رحمته﴿اش٦٣ ٩﴾. من هنا، تتجذّر ثقة كلّ الشّعب وكلّ عضو من أفراده في الّرحمة الإلهيّة، رحمة نستطيع أن نتضرّع إليها في كلّ ظرف عصيب.

زد على ذلك أنّ تعاسة الإنسان، هي أيضاً خطيئته. إنّ شعب العهد القديم يعلم هذه التّعاسة منذ عهد الخروج، عندما مجّد العجل الذّهبي. إيذاء هذا العهد، ينتصر الرّبّ نفسه معلناً رسميّاً لموسى :״ الرّبّ الرّؤوف طويل الأناة كثير المراحم والوفآء״﴿خر٣٤ ٦﴾. من خلال هذه الرّؤيا المركزيّة وجد الشّعب المنتخب وكلّ فرد منه، بعد كلّ خطيئة، القوّة العقلانيّة للإلتفات نحو الله لتذكيره بما كشفه تحديداً من تلقاء نفسه وطلب السّماح * عد١٤ ١٨؛٢ اخ٣٠ ٩؛ ٩ ١٧؛ مز ٨٦﴿٨٥ ﴾١٥ ؛ حك١٥ ١ ؛ سي ٢ ١١؛ ٢ ١٣. . وهكذا يشجع العهد القديم البؤساء، خصوصاً الّذين هم محمّلون الرّأفة الإلهيّة قويّة أكثر فقط، إنّما أيضاً أكثر جوهريّة من العدالة: المحبّة، أكبر من العدالة وأيضا أكثر، العدالة هي في خدمة الإحسان.

من الواضح، أنّ الأنبياء، في تنبّئهم، وصلوا الرّأفة، التي يتحدّثون عنها أحياناً بسبب خطايا الشّعب، بصورة محبّة الله الكبيرة التي يحملها. في هذه الرّؤية، تعني الرّأفة قوة محبّة خاصّة، التي هي أقوى من الخطيئة وخيانة الشّعب المنتخب، فجدّد الله شعبه من جديد في نعمته﴿ار٣٠ ٢٠؛ حز٣٩ ٢٥-٢٩﴾.

الرّأفة الإلهيّة في السّر الفصحي

عندما مارس يسوع مهمّته، نراه يُتمّم كلمات النّبيّ إسحاق المتلاة لسكّان النّاصرة : ″إنّ روح الرّبّ عليّ ولأجل ذلك مسحني وأرسلني لأبشّر المساكين وأشفي منكسري القلوب وأنادي للمأسورين بالتّخلية وللعميان بالبصر وأُطلق المهشّمين إلى الخلاص وأكرز بسنة الرّب المقبولة ويوم الجزآء″﴿لو٤ ١٨،١٩﴾.من الواضح جدّاً أنّ هؤلاء القوم يجب أن يكونوا فقراء بدون أيّة وسيلة عيش، المحرومين من الحرّيّة، العميان لا يرون جمال الخليقة، يعيشون بقلب حزين أو يتألّمون بسبب الظّلم الاجتماعي وأخيراً، الخطأة. فلأجل هؤلاء النّاس خصوصاً أصبح المسيح علامة واضحة بما أنّ الله هو محبّة؛ أصبح علامة ألآب. تجسّد المسيح وشخّص الرّأفة. فالّذي يراها ويجدها فيه، يُصبح الله مرئيّاً كما ألآب الغنيّ بالرّأفة. "من رآني فقد رأى ألآب"﴿يو١٤ ٩﴾.

تظهر محبّة ألآب الرّحيمة، بالتأكيد في السّرّ الفصحي، الآم وقيامة المسيح، بالطّريقة الأكثر وضوحاً. بالفعل، إنّ الصّليب هو الطّريقة الأكثر عمقاً للآلهيّة للإلتفات نحو الإنسان وحول ما هو الإنسان، خاصّةً في الأوقات الصّعبة والأليمة، الذي هو قدره الحزين * هناك صورة شائعة تساعدنا لفهم معنى وأثر تضحية الصّليب : صورة العصفور المجروح. البشر، منذ سقوط الخطيئة الأصليّة، هم كعصافير في قفص في مطيرة كبيرة. هذه المطيرة، رغم كبرها، تبقى مغلقة دائماً بواسطة تسييج مصون، يمنع العصافير بالارتفاع نحو السّماء، حيث الفسحة والحرّيّة. لكن سيتمكّن عصفوراً بمنح الحرّيّة المفقودة للجميع. هذا العصفور، محبّة للآخرين، سيرتفع بقوّة وتصميم نحو قمّة المطيرة، ويقذف بنفسه على التّسييج المصوّن محدثاً فتحةً فيه. لكن لإحداث فتحة، وهب العصفور بحياته. فالّصدمة بينه وبين سياج المطيرة قويّة لدرجة أنّ التضحية سبّبت بموته. أجل، أنّ قمّة رأسه، جناحيه، قائمتيه، كلّ ريشه الملطّخ بالدّم، تشهد عن قوّة الّصدمة وأيضاً من خلال هذا، عن المحبّة القويّة التي يشعر بها تجاه جميع العصافير السّجناء. هو هنا، دون حراك، وقد تركه نفس الحياة. لا أحد يتحرّك في المطيرة. ينظر الجميع إلى الجثّة الميتة دون أن يُدركَ أحد أنّ الحرّيّة الآن، هنا، قريبة جدّاً، في بضع رفرافات أجنحة. حدث آخر، رائع أيضاً كالأوّل، جرى بعد ثلاث أيّام: قيامة العصفور المُضحى به. إنّ الله، في رحمته لانهائيّة، يُعطي نفس الحياة لهذا العصفور. في هذا الحين، يا لها من فرحة في المطيرة! يا للبهجة! ويلاحظ الجميع أنّ القفص مفتوحاً؛من الآن وصاعداً بإمكان الجميع التّحليق. .

إنّ الصّليب هو كلمسة المحبّة الخالدة على الجروحات الأكثر ألماً في الوجود الأرضي للإنسان. وهي أيضاً انجاز البرنامج المسيحي حتّى نهايته الذي عبّر عنه المسيح في معبد النّاصرة ثمّ ردّده أمام رسل يوحنا المعمدان﴿لو٧ ٢٠-٢٣﴾.الحقيقة أنّ قيامة المسيح في اليوم الثّالث هو العلامة التي تُعلن انجاز المَهمّة المسيحيّة، العلامة التي هي إتمام الرّؤيا الكاملة للمحبّة الرّحيمة في عالم خاضع للشّر :. وهو يُشكّل في الوقت نفسه العلامة التي تُعلن قبل الأوان" رأيتُ سماء جديدة وأرضاً جديدة"﴿رؤ ٢١ ١﴾، ويمسح الله" كلّ دمعة من عيونهم ولا يكون بعد موت ولا نوح ولا صراخ ولا وجع لأنّ ما كان سابقاً قد مضى"﴿رؤ٢١ ٤﴾.

المصالحة، العلامة المميّزة لرحمة ألآب

نجدُ في إنجيل القدّيس لوقا : سلسلة من ثلاث مثل تشكّل فصله الخامس عشر ومعنون :" أمثال الرّحمة الثّلاث" وتتضمّن" الخروف الضّائع" ،" الدراخمة المستردّة"، وأخير"اً الابن الضّال". هذا المثل الأخير﴿لو ١٥ ١١-٣٢﴾ يُمكّننا من رؤية، ليس فقط رحمة ألآب لنا، إنّما أيضاً الآثار الحقيقية لهذه المصالحة مع الله.

حصل الابن على حصّته من الميراث من أبيه وهجر البيت إلى بلاد بعيدة لينفق ماله هناك عائشاً في الخلاعة. يرمز هذا الابن إنسان كلّّ زمان، بداية بالّذي فَقَدَ ميراث النّعمّة والعدالة الأصليّة. لكنّ هذا المثل واسع المضمون. فهو يلمس بطريقة غير مباشرة كلّ فسخ عهد محبّة، كلّ خسارة النّعمّة وكلّ خطيئة. باختصار، هذا المثل يخصنا.الابن، " لمّا أنفق كلّ شيء... فأخذ في العوز"، زد على ذلك أن حدثت مجاعة شديدة" في تلك البقعة" بعد أن هجر البيت الأبوي. وهكذا،" كان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الّذي كانت الخنازير تأكله "والتي كان يرعاها لحساب أحد سكّان المنطقة. لكن هذا كان مرفوضاً لأنّ، في هذه المنطقة، كانت صحّة الخنازير أهمّ من صحّة من كان يرعاها. نرى إذاً في المقطع أنّ التّشابه ينتقل شيئاً فشيئاً نحو داخل الإنسان. فميراث أبيه يتضمّن خيرات ماديّة ولكن الأكثر من هذه الخيرات كان شرف الابن في البيت الأبوي. والحالة الماديّة التي وُجِدَ فيها لأفاقت فيه خسارة كرامته. لم

يفكّر قبلاً عندما طلب حصّته من الميراث من والده لكي يذهب بعيداً. ويبدو أنّه لم يعي بعد حين قال في نفسه :" كم لأبي من أُجراء يفضُلُ عنهم الخبز وأنا ههنا أهلك جوعاً". هو يقيس نفسه على مقياس الخيرات التي فقدها، التي لم يعد" يملكها " في حين أنّ الأجراء في بيت أبيه، هم،" يملكونها". تعبّر هذه الكلمات خصوصاً، عن التّصرّف حيال الخيرات الماديّة. مع ذلك، رغم هذه الكلمات، تختبئ المأساة في الكرامة المفقودة، ووعي الطّبع البنويّ المفسد.

حينئذ، قرّر :" أقوم وأمضي إلى أبي وأقول له يا أبتِ قد خطئتُ إلى السّماء وأمامك ؛ ولستُ مستحقّاً بعد أن أُدعى لكَ ابناً فاجعلني كأحد أُجرائكَ"﴿لو١٥ ١٨-١٩﴾. كلمات، تُعبّر بعمق عن المشكلة الأساسيّة. ففي الوضع الماديّ الصّعب حيث وجد الابن الضّال نفسه بسبب طيشه، بسبب خطيئته، قد نمى أيضاً معنى الكرامة المفقودة. عندما صمّم العودة إلى البيت الأبويّ، والطّلب من أبيه باستقباله لا كابن بل كأحد خدّامه، تصرّف هكذا بدافع الجوع والمأساة الّلتان يعاني منهما. لكن هذا السّبب نابع من وعي أكثر عمقاً: أن يكون خادماً في بيت أبيه الخاص هو بالطّبع إهانة كبرى وعار كبير. مع هذا، فإنّ الابن الضّال مستعدّ لمواجهة هذه الإهانة وهذا العار. لقد اتّضح له أن ليس له حقّاً، إلاّ بأن يكون خادماً في بيت أبيه. هذا التّعقل يظهر أنّ بالرّغم من أنّ، في قلب وعي الابن الضّال، يبرز معنى الكرامة المفقودة، من هذه الكرامة التي تنبع بالعلاقة بين الابن والأب. وبعد أن اتّخذ هذا القرار، همّ بالعودة.

إنّ الوصف الدّقيق لنفسيّة الابن الضّال تسمح لنا فهم بدقّة ما تحتويه الرّأفة الإلهيّة. فلا شك إنّ وجه أب العائلة يُظهِر لنا الله مثل ألآب. إنّ والد الابن الضّال وفيّاً لأبويته، وللحبّ الّذي يكنّه لولده على الدّوام. لا يُعبّر هذا الوفاء ليس فقط في مثل حفاوة الاستقبال، عندما يعود الابن إلى المنزل بعد أن أبذر ميراثه؛ فهي تُعبّر خاصّةً بهذا الفرح، بهذه الحفلة الكريمة للولد الضّال بعد عودته لدرجة أنّه نمّت كره الأخ البكر وغيرته. يتصرّف الأب هكذا، مندفعاً بعطفه العميق وهذا ما يُفسّر أيضاً كرمه على ابنه. لكن، يجب البحث عن أسباب هذا الشّعور بعمق أكثر: إنّ الأب واع أنّ خيراً أساسيّاً قد خلّص إنسانيّة ابنه. رغم أنّ هذا الأخير قد هدر ميراثه، فقد خُلّصت إنسانيته. أكثر من هذا، فهي كما وُجِدَت. وهذا ما يقوله الأب من كلمات موجّهة لابنه البكر:" كان ينبغي أن نتنعّم ونفرح لأنّ أخاك هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاًّ فوُجِدَ!" . كذلك، فإنّ محبّة الله لنا هي قادرة على الالتفات لكلّ مأساة بشريّة خاصّة المأساة الأخلاقيّة والخطيئة. وعند هذه الحال، الذي كان أساس الرّحمة لن يشعر بالاهانة، بل كمن وُجِدَ ومقدّراً من جديد. يُعبّر مثل الابن الضّال بطريقة سهلة، ولكن عميقة، عن حقيقة الاهتداء. هذه الأخيرة هي العبارة الأكثر واقعيّة لعمل المحبّة وحضور الرّحمة في العالم البشري.

المصالحة، مصدر النّعم

في الّلغة العامّية، النّعمّة هي خدمة معطاة لشخص ما لإرضائه. في الّلغة التيولوجية، إنّ الله بمناداته الإنسان لمشاركته حياته الإلهيّة، أنشأ بنعمته وسائل مناسبة لهذه الغاية. والنّعمة هي هبة من الله مجانيّة بكاملها، لمساعدتنا لإنجاز خلاص روحنا. هذه الوسائل يعطينا إيّاها يسوع : فنحن نولد للحياة الفوطبيعيّة من خلال سرّ العماد؛ ونحن أقوياء في حياتنا الفوطبيعيّة من خلال التّثبيت؛ وحياتنا الفوطبيعيّة مغذّاة بجسد المسيح المقدّس؛ وشفاؤنا الكبير ضدّ أمراض الرّوح هو سرّ المصالحة. فمن خلال هذا السّر الأخير، حياتنا مؤهّلة في روحنا. بعد اعتراف الابن بأغلاطه،" يا أبتِ لقد خطئتُ إلى السّماء وأمامكَ، ولستُ مستحقّاً بعد أن أُدعى لكَ ابناً" قال الأب لعبيده :"هاتوا الحُلّة الأولى وألبسوه واجعلوا في يده خاتماً وفي رجله حذاءً". ففي عهد يسوع، وحدهم الأشخاص الأغنياء والأحرار ينتعلون حذاء﴿ أو صندلاً﴾. الفقراء والعبيد الّذين لا ينتعلون شيئاً يمشون حفاة. من خلال هذه العبارة" اجهلوا في رجله حذاءً"، يُحرّرنا ألآب من عبوديّة الخطيئة التي نحن فيها. بل يذهب أبعد من هذا. في عهد يسوع أيضاً، إنّ الأسياد وحدهم يضعون خاتماً في إصبعهم. الخدّام لا.
يُعيد ألآب تأهيل وضع حياتنا البدائيّة بشكل كامل. هو السّيد المطلق لكلّ شيء. يعطينا المشاركة في حياته الإلهيّة. دون استحقاق من قبلنا،" يُرجِعُ العهد" في الإصبع. بمعنى آخر، يأتي مجدّداً ليسكن روحنا. هذه النّعمة التي يمنحنا إيّاها تدعى " النّعمّة المقدّسة" لأنّها تجعلنا ابن الله، أخاً ليسوع المسيح والمعبد الحيّ للرّوح القدس. تطهّر روحنا، "تعظّمها" ﴿القدّيس بولس﴾، لا لكي نصبح إلهاً بل شبيهين له باتّحادنا الحميم معه والهبة التي يمنحنا إيّاها من خلاله . عندما نملكها، نصبح في وضع النّعم.

سرّ المصالحة

لن ندخل هنا في رتبة هذا السّرّ بل بالّذي يُدعى اليوم" سرّ المصالحة" الذي يحمله، ويطلق عليه أيضاً، عدّة أسماء. سيسمح لنا معناه الخاصّ باكتشاف التّأثيرات العدّة لهذا السّر * النّص الذي يلي هو نسخة عن ١٤٢٣و١٤٢٤ من ت م ك ك. ّ.

يُدعى سرّ الهداية لأنّه يُحقّق سرّيّاً دعوة يسوع إلى الارتداد﴿مر ١ ١٥﴾، أيّ العودة إلى ألآب﴿لو ١٥ ١٨﴾ الذي ابتعدنا عنه بالخطيئة.

يُسمّى سرّ التّوبة لأنّه يُكرّس مسعىً شخصيّاً وكنسيّاً، مسعى اهتداء وتوبة وتكفير يقوم به المسيحي الخاطئ.

يُدعى سرّ الغفران إذ إنّ الاعتراف، اعتراف الخطايا أمام الكاهن * لا يغفر أيّ كاهن الخطايا باسمه بل باسم" ألآب، والابن والرّوح القدس". هو عنصراً ضروريّاً لهذا السّرّ. بمعنى أعمقٍ إنّ هذا السّرّ هو أيضاً" اعترافاً"، شكران قداسة الله وتمجيدها وعن رحمته تجاه الإنسان الخاطئ.

ويُسمّى سرّ المصالحة لأنّه يمنح الخاطئ حبّ الله إله المصالحة : تصالحوا مع الله﴿٢كو ٥ ٢٠﴾. وكلّ من يحيا بحبّ الله الرّحيم بوسعه أن يلبّي نداء الرّبّ :" إذهب أوّلاً وصالح أخاكَ"﴿متى٥ ٢٤﴾.

البند١٢.>

شهداء العالم المقبلون وأوفياء لدعوتهم، سيجتهدون لاكتساب طهارة القلب، ليكونوا أحراراً أكثر لحبّ الله وإخوتهم * ت ١٦؛ ١ ر م .

إذا نيّتكَ حسنة

سنجد هذا الشّرط "إذا نيّتكَ حسنة" في سيرة التّكوين" قاين وهابيل"﴿تك ٤﴾ . سيساعدنا هذا النّص للتعمّق بما نسمّيه طهارة القلب.
"عرف آدم حوّاء، امرأته". فحملت وولدت أوّل ابن : قاين. ثمّ عادت فولدت ابناً آخر : هابيل. كبر الأخوان وأصبح قاين يحرث الأرض وهابيل راعي غنم. ذات يوم، قدّم كلّ منهما تقدمة لخالقهما، أيّ، تضحيةً غاليةً على قلبهما وذلك لإظهار محبّتهما لله، تقريباً مثل عاشق يقدّم باقة ورد مقطوعة لفتاة يلهف قلبه لها. قدّم قاين من ثمر الأرض وهابيل شيئاً من أبكار غنمه ومن سمانها. لكنّ الرّبّ نظر إلى تقدمة هابيل. ولم ينظر إلى قاين وتقدمته،" فشقّ على قاين جدّاً وسقط وجهه". بالطّبع، هناك استجوابات تُطرح عند قراءة هذا النّص وهي التّالية : لماذا رفَضَ الرّبّ تقدمة قاين ! فهل هذا ظلماً من قبله ! إنّ قاين غاضب وهذا ما يدعو إلى ذلك ! بما أنّ الله يقَبِلَ من الأوّل لماذا لم يقبل من الآخر ! فضلاً عن ذلك، لو قَبِلَ يهوه تقدمة قاين، لما قتل قاين أخيه بالتّالي ! باختصار، إنّ رفض التّقدمة هي من ضمن الأشياء التي لا يتوجّب فعلها ! رغم ذلك، ستوضح لنا تتمّة النّص عن سبب الرّفض الإلهي :״ قال يهوه لقاين :״ لم شقّ عليكَ ولم سقطَ وجهكَ ؟ إلاّ إن أحسنتَ تنالُ وإن لم تُحسن فعندَ الباب خطيئة رابضة وإليكَ انقياد أشواقها وأنتَ تسود عليها ؟״״ في نظر الله إنّ النّية مهمّة ؛ بمعنى آخر، ليس العمل الّذي يهمّ إنّما النيّة التي تنشط الفعل. لنُعيد مَثل عاشقنا الذي قدّم باقة ورد للفتاة السّاحرة. لنتخيّل للحظة، أنّ للفتاة طالبين للزّواج في نفس الوقت، وقد قدّم كلّ واحد منهما باقة ورد رائعة ولكن من وقت لآخر. آنساتي وسيّداتي( اللواتي كنتنّ يوماً آنسات) اللواتي تقران هذه الأسطر، تعرفن معنى عبارة: عبّروا من خلال الورد. لكن، رغم أنّ قلب الفتاة غير مستقرّ في مشاعره تجاه طالبي الزّواج، فهي تقبل باقة الورد من واحد وليس من الآخر. بالفعل، من خلال حدسها الأنثوي، تميّز أنّ بين باقتي الورد، هناك واحدةً تكشف فقط عن رغبة مضاجعة معها، في حين أنّ الباقة الأخرى تكشف عن علامة تعبير لشعور حقيقيّ نابع من القلب. هل يجب قبول الباقتين تحت شعار العدالة الحشرية؟ لا، بالطّبع. إذاً، إذا لم يقبل الله تقدمة قاين، هذا يعود لنفس السّبب. إنّ فعل تقدمة قاين ليست بالتّعبير الحقيقيّ لإحساس" طاهر" في حين أنّ تقدمة هابيل مليئة بطهارة النّيّة التي تجعل التّقدمة مقبولة من الّذي يستلمها. هي حقّاً عبارة عن حبّه لخالقه. المحبّةّ، دائماً المحبّة. لاحقاً، من فم النبيّ هوشع، سيقول لنا الله : "فإنّي أردتُ رحمةً لا ذبيحة ومعرفة الله أكثر من المُحرقات".(هو٦ ٦)

 

كلّ شيء يأتي من القلب

تنبع الطّهارة من القلب. كما هو القلب، كذلك هو الفكر، الكلمة، النّظرة، الفعل. يُخرِجُ المعقول الخير من القلب، وكلّما أخرجَ كلّما وَجد، لأنّ فعل الخير يولد خيراً جديداً. يُخرِجُ الإنسان السّيئ الشّرّ من قلبه الشّرير ولا يُمكن أن يَخرُجَ من قلبه إلاّ الشّرارة من جرّاء الخطايا التي يكدّسها :" القتل، الزّنى، الفجور، السّرقة، شهادة الزّور، التجديف.
"هذه هي الأشياء التي تُنجّس الإنسان"(متى١٥ ١٩) . في جميع الأحوال، إنّ الذي يفيض من القلب، يبرزُ عبر الشّفاه ويظهر من خلال الأعمال.
في حجّنا لله، إنّ قيمة طهارة قلبنا حاسمة. هذا يعرفه الشّيطان لدرجة أنّه يبدأ دائماً بإغرائنا من خلال الفسق. هو يعلم أنّ خطيئة إحساس تفكك الرّوح وتجعل منها فريسة سهلة للخطايا الأخرى. إلاّ أنّ الرّبّ ل لا يكرهنا. الإنسان حرّ. لكنّ الله يعطينا القوّة من خلال النّعمة.يُخلّصنا من هيمنة إبليس. على كلّ فرد استعادة عبوديته القاسية أو وضع جناحي ملاك لروحه. كلّ شيء يتعلّق بنا لجعل يسوع المسيح أخاً لنا وذلك ليكون الّّدليل نحو الله ألآب. لنجعل قلبنا متواضعاً وطاهراً، محبّاً أميناً، صادقاً. لنحب الله بمحبّة عذراء لخطيبها. في الحقيقة، كلّ روح هي عذراء، متأهّلة للخالد المحبّ، لله سيّدنا. الأرض هي زمان الخطبان الّذي من جميع السّاعات، جميع أحداث الحياة المبتذلة هي أيضاً خادمات تهيّئ الجهاز العرسي. ساعة الموت، هي ساعة انجاز الزّواج. عندها تستطيع الرّوح رفع الحجاب والإرتماء بين ذراعي الرّبّ.

 

 

 

 

أسئلة

هل حفظت جيدا؟

١)هل بإمكاني تذكر الفضائل الأربع باختصار والتعليق عليها؟
عن أية فضيلة أخرى ، متفوقة على الأربع جميعها هي مستوحاة والى أين تبغي جميعها ؟ لماذا ؟
٢)على مثال فرنسيس، ما هي الفضيلة التي يجب ممارستها اليوم، لكي ليس فقط لمقاومة أولى شكل التجربة، بل أيضا لكي نستطيع اليوم حسب الله، إن نتقبل الأخر كقريب ورؤية جسد الأخر( جسدنا وجسد القريب) كمعبد للروح القدس وظاهرة للجمال الإلهي.
٣) ما هي الروح ؟ وما هي النعمة ؟

للتعمق

(١" مغفورة لك خطاياك كثيرا ما يردد يسوع هذه العبارة
فيالإنجيل. مع ذلك ، يعقب من خلالها عملا من قبل التائب بواسطة التوثيق ، إذا لزم الأمر هل بإمكاني إعطاء أعمال التائب الثلاث عند سر المصالحة أخيرا ماهي النتائج الرئيسية الثلاث لسر المصالحة
٢) واقعيا ، كيف بإمكاني الحصول على طهارة القلب لكي أصبح أكثر حرا لمحبة الله وإخوتي
>٣) التفكير حول سر المصالحة كأخ أو أخت التوبة هو حتما حميد ولكن ألا يتطلب هذا التغيير الداخلي الجذري مني اليوم الذي هو موضوع قانونا بان احدد موعدا لسر اعترافي القادم؟

أعلى الصفحة

منفذاً من www.pbdi.fr رسم من Laurent Bidot ترجمة : Myrna Lebertre